جِنايةُ (زكريا أُوزُون) على عَقْلِهِ

 هُنالِكَ العديدُ مِنْ أسماءِ المغْرُورينَ التي لا تستحقُّ الذِّكرَ،  وإنْ ذُكِرَتْ فمِنْ بابِ التّأكيدِ على لُزومِ رَمْيِها إلى حيثُ اللاعودَة إلّا أنْ  يتفَضّلَ اللهُ عليهِم بتوبةٍ صادقةٍ قَبلَ أن يُغلق عليهِم بابُها، ويستحيلَ الجسدُ مَأدبة غداءٍ لذيذٍ على موائدِ الدّيدانِ.

ومِنْ هؤلاءِ الـمَنْسَيِّين الذِينَ يَعيشُونَ بعقُولهم في جُزرِ الخيالِ (زَكريَّا أوزون) الذي نَذر نفسه، ووظّفَ قلمَه في خِدْمةِ أعْداءِ الدّينِ مُبتدِئًا بمحاوَلةٍ ماكرةٍ لنسفِ اللُّغةِ ثُمّ الحدِيثِ فَالفِقه، ثُمّ تَوالَتْ - بعدَها -تواليفُه التّالِفَةُ ظَنًّا مِنهُ أنّهُ قدْ حقَّقَ مُرادَه، وتحقّقَتْ مآربه.

فهُوَ بدَأ بِنَسْجِ حِبالَةِ (جناية سيبويه أو الرّفض التام لما في النّحو مِنْ أوْهَام) في مجازفةٍ خطيرةٍ لِزعْزَعةِ ثقتنا بأئمّةِ النَّحْوِ؛ مستبدلًا فهمَ عامّةِ النّاسِ وَأعرافَهِمْ بالقَواعدِ النَّحْوِيّةِ المتينةِ ممّا سيَنتجُ عَنْ ذَلك نحوٌ متعدّدُ الأجناسِ والأقَالِيمِ أو قُلْ: عَوْلمة النّحْوِ، فلك أنْ تتخيَّل بعدُ-: نَحْوُ إقليمِ البَنْجاب، أو نَحْوُ المغربِ العربيِّ ،أو نَحْو جنوبِ شَرْقِ أمريكَا اللاتينيّة ، وجزرِ القمرِ والكناري وهكذا....

وكعادةِ المستشْرقين، وآبائهم العَقْلانيّين، وإخوانِهم القُرْآنيين انْطلَقَ (أوزون) مِنْ وَلِعِهِ المزْعُومِ باللّغة مع بُغْضِه لِلنَّحْو، واحترامِه لشَخْصِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلّمَ على حدّ قوله- لِيتمَكَّنَ مِنْ تَرْويجِ  سُمومِهِ بينَ أبْناءِ الأمّةِ الإسْلامية مستغلاً ضَعفَها وَوهَنَها، لِيسْتَأْكلَ عُقولَ الضّعفاءِ مِنهم.

فَهيهات...ثمّ هيهات!

فَكَمْ كانتْ تُعجبني عبارةَ أحدِ الفُضلاءِ لمّا يُواجِه مَنْ يحاوِلُ خِدَاعَه؛ بِقَوْله: (أَعلَمُ أنّي لستْ الأذْكى في العالم ولكنّني ذَكِيٌّ)؛ فنحْمَدُ الله تعالى أنْ تَصَدَّى لهذَا الرّجلِ وأسلافِه الكثيرُ والكثيرُ مِنْ أذكياءِ هذه الأمّة ؛ فَنَسفُوا مخطّطَاتِهم، وطَمَسُوا تخْطِيطَاتِهم، وألقَوْا بِهَا في مَزبلة التَّاريخِ... للذِّكْرَى.

قلتُ:

إنّ هذَا الرّجلَ ابتدأ مسيرتَه الشّوكيّةَ بتسويدِ كتابٍ وسَمَه بـ (جناية سيبَوَيْهِ) ثمّ أتْبعَهُ بخَرْبشةٍ أُخْرى أسْماهَا (جنايةُ البخاريِّ: أو إنقاذ الأمّةِ مِنْ إمامِ المحدّثين)، ثمّ خَتَم ثَالُوثه العدوانيّ بـ (جِناية الشّافعيّ أو تخليصُ الأمّةِ مِنْ فِقْهِ الأئمّة)؛ فهو لفَرْطِ غَبائه اختارَ ثلاثةً مِنْ جِلّةِ أئمّة المسلمينَ في (اللّغة) و(الحدِيثِ) و(الفِقْه وأصولِه) ظنًّا مِنْه أنّه إذَا نَجحَ في إسْقَاطِهم سَهُل عليْه ما تبَقّى مِنْ خططٍ؛ فها هو ذَا اعْتِرَافُه يشهدُ عَليْه حيثُ قَال في خاتمة ثلاثيته السَّمِجةِ:

«أخيرًا ومعَ انْتهاءِ هذَا الكِتاب  -أي: جناية الشافعيّ-أكون قد أنهيت الثلاثية الأساسية في إظْهار المشاكِلِ المعْضِلَةِ المعوّقةِ لتطوّر الأمّةِ العربيّةِ والإسْلامية حيثُ أظْهرت:

المعضلة الأولى:

تكمُنُ في الاهتمامِ بشَكْل اللّغةِ لا مضمونِها، وعَرَضتُ لذلك في كتابي الأوّل «جناية سيبوبه الرفض التام لما في النحو من أوهام».

المعضلة الثانية:

تكْمُن في الخَلْط بين الوَحِي المنزّل «القرآن الكريم» والاجتهادِ البشريّ (الحديثِ النبويّ) وعرَضتُ لذلك في كتابي الثّاني«جناية البخاري- إنقاذ الدين من إمام المحدثين»

المعضلة الثالثة:

تكْمُن في تقْدِيسِ فهْمِ السّلفِ واعتمادِه ليكونَ مُلْزمًا ساريًا على كلِّ زمانٍ ومكانٍ وعَرضتُ لِذلك في كتابي الثّالثِ هَذَا «جناية الشّافعيّ-تخليص الأمة مِنْ فقه الأئمّة»»...

ولكنْ (إن ربّك لَبِالمرْصَاد) يا (زكريا).

ثمّ قال زاعِما الشّفَقةَ على الأمّةِ :«ومَا لم تُعِدْ الأمّةُ العربيّةُ والإسْلاميّةُ النّظرَ في تِلْك المفاصلِ الثّلاثية الرئيسيّة فإنّها سَتَبْقَى على مَا هِيَ عليْه اليوم مِنَ التّخَبّطِ والتّخَلّفِ والتّشرْذُمِ».

فما هي أصولُ زكريا؟!

لم يتحلَّ هذَا الرّجلُ بالشّجاعةِ الكَافيةِ للإفْصاحِ عنْ أصُولِه، والإعلانِ عن ثوابِتِه التِي تبنَّاها وبنَى عليْها مخطّطه الهلامِيّ الانهزاميّ؛ بَلْ أشارَ إليه بأسْلوبٍ مُلْتوي مستعمِلًا عباراتٍ رنّانةً وشِعاراتٍ برّاقةً في صَفْحَةِ الإهداءِ التي لم تفارقْ الصّفحةَ التّاسعةَ مِنْ كُتُبِهِ؛ فقال:

 (إلى كلِّ من يحترم العقْلَ وَيُقَدِّره...

إلى كلِّ مَنْ يحتكم إلى العقل في الحُكْمِ على النّقل...

إلى كلِّ مَنْ أضاءَ شَمعةَ الإبداع في ظلام التقليد الأعمى والتَّبَعِيّة...

إلى كلِّ مَنْ أضاء شمعة الفكر في ظلام القياس والآبائية...

إلى كلِّ مَنْ أحبَّ الناس على اختلاف أجناسهن وأديانهم ومعتقداتهم

مَعًا في هذَا المشوَارِ الشَّائكِ الطّويلِ).

فهو بهذه العباراتِ يُشيرُ إلى أُصُولِه التّي يعتزّ بِهَا، ويدعو إليها، ويحاربُ مِنْ أجْلِها؛ مِنْهَا:

أوّلا: منزلةُ العَقْلِ بمنزلةِ المشَرِّعِ؛ وعَلَيْهِ:

ثانيًا: تقديمُ العَقْلِ عَلى النَّقْلِ مُطْلَقًا؛ فَما حَسَّنَه؛ فهو حَسَنٌ، وَمَا قَبَّحَه فَهُوَ قبيحٌ. والمقصودُ مِنْ هذا الأصلِ والذي قبلَهُ إقصاءُ الدّين، وإبعادُه عنِ الحياةِ بمختلفِ جوانِبِها؛ فها هو يقول في خاتمةِ كِتَابِه «الإسلام: هل هو الحلّ؟!»:« إنَّ الحلّ يكونُ في العَلمانية! والتي تعنِي لي أنْ لا تحكمَ البلاد تحتَ شعار أو اسم الدّين! ولتكن البلاد أينما تكونُ في الشرق أو الغرب أو الشمال أو الجنوب. ولْيكُن الدّين ما يكون إسلاميًّا مسيحيًّا يهوديًّا سماويًّا أو غير ذلك عامًّا أو خاصًّا...».

ثالثًا: لا فضلَ للسَّلفِ على الخَلَفِ؛ فهُمْ رجالٌ لهم مَكَانُهم وزَمَانُهم؛ ويَدْخلُ في ذلك النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلم لأنَّ السُّنّةَ في نظرِ زكريَّا- اجْتِهاديةٌ لَيْسَتْ وَحْيًا(1).

وقَال في «جنايته على الشافعيّ»(ص 21) :« وهنا أي: أقوال الصحابة- الأمرُ لا يَقِلُّ سوءًا عما سَبقَه أي الإجماع-؛ فكيف يُحكِمُ أيْ الشّافعيّ-الأَحياءَ بأقوالِ وآراءِ أُناسٍ قضوْا وعاشُوا في القُرُونِ الغَابرة؟ ومتى كانتْ أقوالُ النّاس وأفعالهم تحدِّد أسس الحلال والحرام التي تؤدّي إلى الجنة والنار؟ وهنا أذَكّرُ بِوَاقع الصحابة الأليم من اقتتالهم فيما بينهم وحُبِّهم للْجَاه والسّلطة والمال وسَعيهم للوصول إليه...».

وقال في مبحث «الشافعيّ والسّنة» من نفسِ الجنايةِ «ص 62»: «لقد اعتبر الشافعيّ أنَّ الحكمةَ في كتاب الله هي السّنّة حسب مدرسة الترادف عنده...».

ثم قال في (ص 67):« فسّيدُنا محمّد بن عبد الله رجل حَملَ صفتين: هما صفة الرسول (من الرسالة) وصفة النبي من (النبوة) تمامًا كَما يحمل اليومَ أحدُنَا صِفتين في عمله كأن يكون عمله مهندسًا ومديرًا للعلاقات العاّمة.

وهنا عندما ذكرتُ تلك العبارة في كتابي السّابق يقصِدُ «جنايته على البخاري»- استنكر بعضُهم ذلك واعتبرَ مثالي سوءَ أدبٍ بحقّ النبي».

وأزيدُك أيّها القَارئ مِنْ كَلامِهِ في «جنايته على البخاري»(ص 16) قال:« أغلبُ الحديث النبويّ ليس مصدَر تشريع لأنَّ معظمَ مَا وصلَنا عن طريقه لم ينفرد بِه النبي (ص) عن غيره من الناس...».

إلى أنْ قَالَ بعدَ ذِكِر تلكم العِبارِةِ الخاليةِ مِنَ الأدَبِ التربويِّ، والسّلُوك الشَّرعيّ:«ففِي مَقامِ النّبوّة يقومُ محمّدٌ النّبيّ بالاجتهادِ والعمَلِ حسب المعطيات والإمكانيات والأرضية المعرفية السائدة...وبناءً على ما سبق فإنَّ الحديثَ النّبويّ ليس مقدسًا...». ثم واصلَ تعدّياته بالجُملة- على السّنّة والصّحابة وثقات هذه الأمّة.

الأصل الرَّابع: وَحدَةُ الإنْسانيّة (=العالمية(2)) المبنيةُ على المحبّةِ المطلقةِ والموَالاةِ القلبيّة والفِعْلية؛ فَلَا جِهَادَ ولا قِصَاصَ ولا حُدُودَ ولا فضلَ لإنْسانٍ على أخِيه الإنْسان إلّا بالعَقْل وَلَوْ كانَ هذا الفاضلُ نصرانيًّا أو يَهوديًّا أو مِنْ عُبّادِ البَقَرِ والحَجَرِ والشَّجَرِ.


فهذِه هيَ الخُطوطُ العَريضةُ التِي بَنَى عَلَيْها زكريا مخطّطه العلمانيَّ المتَهَالِكَ. وَنَسْفُه لا يعجز عنه كبيرٌ ولا صغِيرٌ طَالما احْتَكَم إلَى عقْلِهِ القاصِرِ، ونظِرِه البَائِرِ، فَمَعرفةُ أصولِ أمثالِ هؤلاءِ تُغْنيك عنِ الدُّخول -معهم- في تَفَاصِيلَ واستطراداتٍ قَدْ تُخرجُكِ عنْ مقصودِكَ، وتبعِدُك عَنْ أغراضِك.

فما الفائدة في مناقِشته -مثلاً- في صِحِّة حديثٍ، وتَعْدِيل رِجَاله وَهُوَ بعقْلِه- يجعَلُ السُّنّةَ بشَرِيّةً اجتهادِيةً؟!

فأَنْ تصِحَّ  السّنّةَ عنده أوْ لَا تصح فَسَيعمَلُ على دْفَعِها، ويعْمَدُ إلى رفضِها بحُجّةِ التَّفريقِ بينَ مقامِ الرَّسولِ والنَّبيِّ عَلَيْهِ أفضلُ الصّلاةِ وَأَتمُّ التَّسْلِيم. أيْ أنّ أيّ أمرٍ من الله تعالى للنَّبيِّ أو مِنَ النَّبيِّ لأمّتِه فَلَكَ على مذْهبِ (زكريا)- أنْ تلْتَزِمَه أو تردَّه؛ بَل لَك أنْ تجتَهِدَ فِيهِ وتختَرِعَ نصًّا آخرَ.

وَلْنأخذْ بعضَ الأمثلةِ مِنَ الخِطاب القرآني الذي جاءَ فيها ذِكرُ لفظِ النَّبيِّ والذِي -على مذهبِ زكريّا -محلّه الاجتهاد، لتتيقّن بأنَّ أمثالَ هؤلاء قلوبُهم ميِّتة، وعقولهم مسلوبَةٌ-؛ فمن ذلك:

قولُه تعالى (يا أيّها النبيُّ جاهدِ الكفّار والمنافقين واغلظْ عليْهِم)؛ فلك أن تُلْغِي الجهادَ لأنّه يُنافي العالمية التي يدْعُو إليها (زكريا أوزون).

وقولُه تعالى: (قل إنْ كُنتُم تحبّون اللهَ فاتّبعُوني يحبِبْكُم اللهُ ويغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكم)؛ فأين يجعلُ (زكريا) عودةَ الضّمير في الاتباعِ؛ فهل إلى الرّسول أم النّبيّ؟ أم هي في حدّ ذاتِها مسألةٌ اجتهاديّةٌ؟

وقوله تعالى: (إنَّ أوْلى النّاس بإبراهيم للّذين اتّبعوه وهذَا النّبيّ)؛ فعلى مَذْهبِ (زكريّا) لَك أن تنسلِخَ منِ اتّباع ملّةِ إبراهيمَ عليْه السّلام؛ ولمَ لَا مِنْ ملِّةِ محمّدٍ النّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلّم؟

وقوله تعالى (فآمِنُوا باللهِ ورَسُولِه النبيِّ الأمّيّ واتِّبعوه لعلّكم تهتدون)؛ فَما محلّ هذا  الاتّباع مِنَ الإعرَابِ عندَهُ ؟

وقوله تعالى (ما كانَ للنّبيّ والذِينَ آمنوا أن يَستغِفروا للمُشركين..)؛ فَعَلَى مذْهبِ زَكريّا لك أن تستغفرَ لهم وتترّحمَ عليْهم لأنّه خطابٌ للنّبيِّ وليسَ للرَّسولِ.

وقولُه تَعَالى(يا نساء النبيّ لستُنّ كأحدٍ مِنَ النّساء)؛ ولكنَّ زكريّا يقولُ بأنَّهنّ كَغيرهِنّ مِنَ النِّساء، لأنه خطابٌ موجّه للنّبيِّ وليسَ للرّسولِ.

وأمّا هذِه الآية فلستُ أدْري أين سيجعلُها (زكريا)؛ وهي قولُه تعالى (يا أيها النّبيّ إنّا أرسلناك شاهدًا ومبشّرًا ونذِيرًا) فَهل يحقّ للنّبيّ أن يجتهِدَ في الرِّسَالة -ذاتِها- طَالما الخطابُ موجَّه إليْه بلَفْظِ النّبوّةِ وليسَ الرّسول؟

وغيرُها مِنَ الآيات التي تكْشِفُ تلاعبَ هذا الرّجلِ، ومُراوغاتِه ليفسدَ على الأمّة الإسلاميّةِ لغتَها وقِيَمها، وعقيدتها بدَعْوى الحِرصِ على تقدّمها الماديِّ..

والمقصودُ أنّ أمثال هؤلاء العَلمانيّين ومِن التزَم أصولَهم قد استولتْ عَلَيهم المدنيّةُ الغَرْبيةُ، وسَلَبتْ عقولَهم(3)، وَأَوْحَتْ إليْهم بِأنَّ العقلَ البَشريَّ له الحُكمُ المطلق، والقَرارُ المحْكم؛ فيَرْفَع ويضَع، ويحلّ ويربطُ، بَلْ أنْزَلوه منزلةَ الرّبّ سبحانه وتعالى، فَخَالَفُوا بذلك- عُقَلاءَ بَنِي البَشَرِ، وَوافَقُوا مجانِينَهم(4)؛ وهي جنايةٌ عظيمةٌ ارْتكَبوها في حقِّ أنفسِهِم، فَلَهَا حقٌّ علَيْهِمْ  أنْ يَحَرِّرُوها مِنْ عِبَادَة العُقُولِ إلى عِبَادَةِ ربِّ العُقُولِ.

والله الهادي والموفِّق!

---

نشرتُ هذا الرد من باب إعلام الناس والتحذير، في تاريخ: 22/04/2011

 

 



([1] ) ومسألةُ اجتهادِ النّبيّ صلّى الله عليه وسلم قدْ بحثها العُلماء؛ فانظرها غير مأمورٍ في كتبِ الأصول؛ وأكتفي بنقل قولٍ لشيخ الإسلام له متعلّقٌ بأصول زكريا العَقْليّة؛ قال رحمه الله: «فإنهم متفقون أي: أئمّة المسلمين- على أن ماجاء به الرسول صلى الله عليه وسلم لا تدركه كلُّ النّاس بعقولهم، ولوْ أدْرَكُوه بعقولهم لاستغنَوْا عنِ الرّسولِ، ولا يجوز أن يُعارَض بالأمثال المضروبة له؛ فَلَا يجوز أن يعارضَه النّاسُ بعقُولهم، ولا يُدْركُونَه بعقولهم؛ فَمَنْ قَالَ لِلرّسول: أَنَا أصدّقُك إذا لم تخالفْ عَقلي، أو أنْتَ صادقٌ فيما لم تخالف فيه الدليل العقلي؛ فإنْ كانَ يُجوِّزُ عَلى الرسول أن يخالفَ دليلًا عقليًّا صحيحًا لَم يكنْ مؤْمِنًا به، وإن قدّمَ على كلامِه دليلًا عقليًّا ليس بِصحيحٍ لم يَكُن مؤمنًا به فامْتنعَ أن يصحَّ الإيمانُ بالرّسولِ صلى الله عليه وسلم مع هذَا الشّرطِ»«درء تعارض العقل والنقل»(5/ 297-298)، وانظر رسالة «العقل ومنزلته في الإسلام» للدكتور أبي أنس محمّد موسى آل نصر فهي مفيدة جدًّا ومِنْهَا اسَتفَدتُ هَذَا النّقلَ.

([2] ) هناك فَرقٌ بين العالمية والعَولمة؛ فمعنى الأولى: تحقيق الوحدة والتّآلف بين البشر والتواصل العالمي دون اعتبار للعرق أو الطبقة الاجتماعية [و الفايسبوك وسيلة لتحقيق هذه الغاية؛ فتنبه!]، بينما (العولمة) فتعني فقدان السّيطرة على المقدَّرَاتِ وانعدام القيم الإنسانية وسيادة منطق الربح، والبقاء للأقوى من خلال السوق، والاختراق الثقافي للأمم والشعوب. انظر: «المصاحبات الاقتصادية والاجتماعية لجريمة غسل الأموال في ظل تحولات العولمة»(ص 8) وفي البحثِ نظرةٌ شرعيّةٌ حول هذه المسألة الاقتصادية.

([3] ) قال تعالى: (فإنّها لا تَعْمَى الأبْصارُ ولكنْ تَعْمَى القلوبُ التِي في الصُّدورِ).

([4] ) يقول شيخ الإسلام في «الاستقامة»(2/ 161):«فإن من الناس من لو جُنَّ  لكان خيرًا له، فإنّه يَرتفع عنه التكليف، وبالعَقل يقعُ في الكُفر والفُسوق والعِصيان؛ فإنَّ العقلَ قد يُراد بِه القُوّةُ الغريزيّةُ في الإنسانِ التِي بها يعقلُ، وقدْ يرادُ به نفسُ أنْ يعقلَ ويعيَ ويعْلمَ». و-أيضًا- مَنْ لاينتفع بعَقْله فَلا عَقل له؛  يقول شيخ الإسلام:«وقَدْ يراد بالعقل ما تحصلُ به النّجاة كما قال تعالى عن أهل النار :« وقالوا لو كُنّا نسمَعُ أو نعقِلُ مَا كنَّا في أصْحاب السَّعيرِ»«درء تعارض العقل مع النقل»(4/ 478).

 

 

تعليقات