المشاركات

عرض الرسائل ذات التصنيف فقه وأصوله

اختصار رسالة (الفرق بين النصيحة والتعيير)

  الحمدُ لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه. أما بعد: فهذا مختصر رسالة  "الفرق بين النصيحة والتعيير" ؛ لابن رجب الحنبلي رحمه الله المتوفَّى سنة 795هـ، وهي رسالة جدُّ نافعةٍ، في زمنٍ يكادُ يخلُو من أدبيَّات النُّصْح بين المتعلمين فضلًا عن غيرهم، وقد التزمْتُ في هذا الاختصار بنقْلِ عبارات المصنِّف كما جاءَتْ إلَّا فيما اقتضاه المقامُ وهو نادِرٌ، واللهَ تعالى أسألُ السدادَ والنَّفْعَ للقارئ الكريم، فإلى المختصر: 1-  اعلم أن ذِكْر الإنسانِ  بما يكره مُحرَّمٌ  إذا كان المقصود منه مجرد الذَّمِّ والعيب والنقص.   2-  فأما إذا كان فيه مصلحة لعامَّة المسلمين ، خاصة لبعضهم، وكان المقصود منه تحصيل تلك المصلحة، فليس بمُحرَّمٍ، بل مندوبٌ إليه.   3-  وأن علماءَ الدين ك لَّهم مجمعون على قصدِ إظهار الحق الذي بَعَثَ اللهُ به رسولَه صلى الله عليه وسلم، ولأن يكون الدينُ كلُّه لله، وأن تكون كلمةُ الله هي العُلْيا.   4-  وكُلُّهم معترفون بأن الإحاطة بالعلْمِ كلِّه من غير شذوذِ شيءٍ منه ليس هو مرتبة أحدٍ منهم، ولا ادَّعاهُ أحدٌ من المتقدِّمين ولا المتأخِّرين.   5-  فل

أين أنت يا تارك الصلاة

الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ والصّلاةُ والسّلامُ علَى نبيّنا محمّدٍ وَعَلى آله وَصَحْبِه؛ أما بعد : فإنَّ ممّا اشتُهر في مُعظمِ مجتماعاتِنا الإسلاميّةِ في هذه الأزمِنَةِ المتأخِّرةِ تَفشّي أمراضٍ اجتماعيةٍ وسلوكياتٍ تُنافي مَا جاءتْ به الشّريعةُ السّمحةُ؛ فَمِنْ ذلك نَذْكُرُ: 1.    التّعاملَ بالرّبا. 2.    الغشَّ والكذبَ والرشاوى. 3.    شُربَ الخَمر والزّنا. 4.    قَطعَ الأرحام. 5.    الاسْتهزَاءَ بالدّين وبالمنتسبين إليه عِلْما وعَمَلاً. 6.    حِرمانَ البَناتِ مِنَ الميراثِ. 7.    زُهدَ النّاسِ في طلبِ الوَاجبِ مِنَ العِلمِ الشّرعيِّ. 8.    الطّمعَ والجَشَعَ؛ لِدَرجةِ أنَّ أكثرَ أربابِ الأعمالِ يَمنعونَ الصّلاةَ حِرصًا -زَعَمُوا- على الوَقْتِ 9.    وغير ذلك من السلوكيات السلبية وَكُلُّ ذَلك سَببُه الانغماسُ في الدُّنْيا وَمَتَاعِبِها مَعَ بُعدِهِم الوَاضِحِ عَن دِينِهم. وَأَوَدُّ -هَهُنا- أن أُذكّرَ بحديثٍ يناسبُ هَذا المقامَ ليكونَ قاعدةً لكلِّ الّذِينَ يُصارِعُون متاعبَ الدّنيَا التِي لا تَنْتَهي وَهُوَ قَوْلُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: « مَنْ كَانتْ الدّنيا

البدعة الحسنة والسنة الحسنة

  أخرج  مسلم  في ( صحيحه ): عن جرير بن عبدالله رضي الله عنه قال: جاء ناس من الأعراب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، عليهم الصوف، فرأى سوء حالهم، قد أصابتْهم حاجة؛ فحث الناس على الصدقة، فأبطؤوا عنه حتى رُئِيَ ذلك في وجهه.   قال:  ثم إن رجلاً من الأنصار جاء بصُرَّةٍ من ورق، ثم جاء آخر، ثم تتابعوا حتى عُرف السرور في وجهه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  ((من سنَّ في الإسلام سنة حسنة فعُمِلَ بها بعده، كتب له مثل أجر من عمل بها ولا ينقص من أجورهم شيء، ومن سنَّ في الإسلام سنة سيئة فعُمِلَ بها بعده، كتب عليه مثلُ وزر من عمل بها ولا ينقص من أوزارهم شيء)). تعلَّق بعض من يدَّعي تقسيم البدعة إلى بدعة حسنة وبدعة سيئة بهذا الحديث، وزعموا أن معنى سنَّ: أحدَثَ وابتدَع؛ وهو - عندهم - يدور حول التشريع، لا الإحياء؛ وعلى ضوء ذلك قرَّروا بأن البدعة في الدين قسمان: حسنة، وسيئة.   والجواب على ذلك أن نقول - كما قرره العلماء الأخيار -: إن هذا الحديث جاء في سياق الكلام عن الصدقة، وهي من الأمور المشهورة المعلومة لدى الصحابة، شُرِعَتْ بنص القرآن؛ فليس في الحديث اختراع - في الدين - لشيء جديد في وقت الحادثة،

بين الاجتهاد أو التقليد والتقول على الله

  حديثُ:  (( إذا اجتهد / حكم الحاكم ...))، المقصودُ منه بلا خلافٍ المجتهدُ الذي توفَّرت فيه شروطُ الاجتهاد، وتكاملتْ لديه أدواتُه. قال السمعاني: "اعلَم أن المخاطَب بالاجتهاد أهلُه، وهم العلماء"؛ [قواطع الأدلة (2/ 302)]. وقال: "صحةُ الاجتهاد تكون بمعرفة الأصول الشرعية"؛ [قواطع الأدلة (2/ 303)].   وقال النوويُّ في شرحه للحديث المتقدِّمِ ذكرُه: "أما  مَن ليس بأهل للحكم، فلا يحل له الحكم ، فإنْ حكَم فلا أجر له، بل هو آثم، ولا ينفذ حكمه، سواء وافق الحقَّ أم لا؛  لأن إصابته اتفاقيةٌ، ليست صادرة عن أصل شرعيٍّ، فهو عاصٍ في جميع أحكامه،  سواء وافق الصواب أم لا، وهي مردودة كلُّها،  ولا يعذر في شيء من ذلك "؛ [شرح صحيح مسلم (12 /14)].   وقال ابن حجر: " ولا يخفَى أن محلَّ ذلك  أن يبذل وُسْعَه في  الاجتهاد  وهو من أهله،  وإلا فقد يلحَق به الوِزر إن أخلَّ بذلك"؛ [فتح الباري (13/ 320)]. وقال ابن باز: "فهذا في العالم الذي يعرِفُ الأحكام الشرعية  وليس بجاهل ".   إذًا؛  فمَنْ لم تتوفَّر فيه أدوات الاجتهاد، ولم يتَّجِه إلى التقليد، فإن أحكامه - وإن وافقت ا

بحث وجيز في حقيقة الاستحسان

مقدمة: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه. أما بعد: فإن الاستحسان يُعَدُّ من الأدلة المختلف فيها بين علماء الأصول، بين مُنكِرٍ ومُجيزٍ، وناظرٍ للمسألة على أنها لا فائدة منها، كلٌّ بحَسَب معناه الحقيقي الذي تَبيَّن له، وفي هذا المبحث الوجيز أنقلُ كلام العلماء في بيان حقيقة الاستحسان ووَجْه الخلاف الدائر فيه، وهل هو اختلاف لفظي أو معنوي؟ وقد قسمت هذا المبحث إلى النقاط التالية: أولًا :  معنى الاستحسان ومذاهب العلماء. ثانيًا :  أنواع الاستحسان المشروع بحسب حقيقته. ثالثًا :  حقيقة معنى قول الشافعي. رابعًا :  الخلاف في حقيقة الاستحسان لفظي. خامسًا :  الخلاصة في حقيقة الاستحسان. ♦♦♦♦♦ أولًا: معنى الاستحسان ومذاهب العلماء : قال الزركشي:  " وهو - أي الاستحسان - لغةً: اعتماد الشيء حَسَنًا، سواء كان عِلْمًا أو جهلًا؛ ولهذا قال الشافعي: القول بالاستحسان باطلٌ، فإنه لا يُنبئ عن انتحال مذهب بحجَّة شرعية، وما اقتضته الحجة الشرعية هو الدِّين سواء استحسنه نفسه أم لا" [1] . وجاء في المسودة لآل تيمية:  «كان أبو حنيفة وأصحابه يقولون ب