مِن غرائب التّوظيف

يستغربُ العاقلُ حينما تحدثُ أمورًا "لا مسؤولة" في مجال التَّوظيف، وفي مجتمع مسلم وفي شركةٍ تُدَارُ مِن مُسلمين؛ كمَن يطلبُ مِنَ مترشّحة نزعَ حِجَابها السّاتر ولبس البنطال أو "التنانير" القصيرة وتزيين الوجه بالألوان كشرط للتَّوظيف، بحُجّة أن ذلك من قوانين الشّركة أو المؤسسة، ولا سيما إن كانت هذه الوظيفة "الموقرة!" لها تعلق بمواجهة العملاء.

فيا للغرابة! تتربَّى هَذه الشّابة منذُ الصّغر بين أسرتها المسلمة على العِفّة وتعظيم الشعائر والأحكام الشرعية، ثم حينما تكبر وتواجه سوق العمل في ذات المجتمع المسلم يصدُمُها بعضُ مَن حُرم التّوفيق بما يضادّ تلك البراءة والعِفّة، ويضادّ ما ينبغي أن يكونُوا عليه مِن التقوى كون الجميع مسلمين؛ فيطالبونها بكسر الأوامر الإلهية، والانخلاع من تلك المبادئ الجميلة وإلا فَلن تنالَ في شَركتهم تلك الوظيفة! ولسان حالهم: إما أن تفعلي ما نريد أو لا "رزق" لديكِ؟!

فهل يظن هؤلاء السادة الواضعون لهكذا قوانين مخزية والتي لا تحترم حتى توجّهات الإنسان الشخصية فضلًا عن كونها غير شرعية أنهم لن يحاسَبوا يوم يُسلِمون أرواحهم إلى خالقها؟!

ثمّ هل يعقل أن يصل الأمر في التوظيف إلى درجة التمييز بين محَجبة وغير محجبة؟ وأين يحدث هذا؟!! في مجتمعٍ مُسلمٍ!!

وما الفرق بين الاثنتين حينما يتعلق الأمر بالعمل والخبرة؟ وما الدّاعي -أصالةً- إلى فعل ذلك؟

أهو فقط من باب اتباع مجتمعات الغرب؟

...أم هناك دراسة علمية صحيحة قاموا بها أو وقفوا عليها أخبرتهم أنَّ توظيف "المحجّبات" يُبعِدُ العملاءَ، ويُعكّر صفو خِبرَتهم، ويُقِلّل نِسبَ أرباح مؤسستهم؟ فإذا كان الأمر كذلك فَلْيَسمَحوا لي أن أقول لهم بأنهم ليسوا يعملون في عالم التجارة المتعارف عليها، وإنما هم يتاجرون في "عالم النِّساء"!! فهذا هو التفسير الوحيد الذي أجده يناسب أفعالهم؛ فَالذي يربط نجاح عمله بالاعتماد على إظهار مفاتن النّساء في مكاتبه ومعارضه ولدى عملائه فهذا لا يتاجر إلّا بالنِّساء، شاء أم أبى!

ونصيحتي لهؤلاء أن يُبادروا إلى التوبة ويسارعوا إلى التصحيح، ويغْتَنموا فرص وجود الصحة والعافية قبل أن تُسلب منهم، فإنهم -لا محالة- موقوفون أمام الله ومسؤولون عن صنائعهم!! وليعلموا أن الله تعالى يغفر الزّلات، وأنّه تعالى (یُحِبُّ ٱلتَّوَّابِینَ وَیُحِبُّ ٱلۡمُتَطَهِّرِینَ) وأنه (من يتق الله يجعل له مخرجًا).

وأقول لكلِّ من اكتوى بنيرانِ هكذا قوانينَ خرقاءَ: اصبروا وصابروا واستبشروا خيرا، فإنَّ الذي أنزل الأحكام وأَمَر ونَهَى هو ذاته الذي قَسَم الأرزاقَ، وهو الذّي سَيحاسِب ويُعاقِب ويُثِيب!

 قال تعالى: (وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ)، وقال تعالى: (مَا عِندَكُمۡ یَنفَدُ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ بَاقࣲۗ وَلَنَجۡزِیَنَّ ٱلَّذِینَ صَبَرُوۤا۟ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ مَا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ).

 

تعليقات