معذرةُ ابنٍ بارّ


أيّها الحلم الجميل..! أيها الرّجل الحلوم...! وَالدِي الذي لم أرَ مِثْله... يعاتبني كما يعاتب الصديقُ صديقَه... ويواسيني كما يواسي الأخُ أخاه... ويحفزني كما يحفّز الأستاذُ تلميذَه... ويَضُمّني إلى صدره ليمدّني بروح الرّجولة في زمن لا تكاد تعثر على رجلٍ مثل أولئك الرّجال...!!

ومعَ كلِّ ذلك وبعد كل هذه السنين... أضربُ هذه الصداقة وهذه الأخوة وهذه التلمذة وهذه الرجولة عُرض حائط تسوّرته لأقترف ما يقترفه الجاهلون بِقِيَم مجتمعهم وقِيمة دينهم ينشدون شهرة زائلة، وحياة مترفة!

كلّ ذلك حدث في ساعةٍ أحاط بي طيش الأصحاب، وغلبني ميول الشباب؛ فنامت العينان وزاغ القلب وطاشتْ الجوارح؛ فَلم أعدْ أرى أمامي صورتك الجميلة التي آليتُ على نفسي أن أحملها مادمتُ حيّا! فيا ليتني متّ قبل هذا وكنتُ نسيا منسيا!! ويا ليته كانَ حلماً من تلكم الأحلام... ولا يضرني - بعدُ - أن لا أجد لها مًعبّرًا حبيبًا خبيراً...!!

إنّ جوارحي - الآن! - كلّها تهتزّ ممّا اجترمتُ؛ لتعبّر لك عن أسفها، وتبوح لك بغَضَبها، وتفضي إليك بأحزانها؛ كأنها تنتظر منك الإذن بالانتقام من هذا الابن العاقّ... الذي سرق بسماتك، وقطع عنك أفراحك؛ لينضم إلى قافلة لصوص البسمات، وسرّاق الأفراح... ومَا أكثرهم في هذا الزّمان!

وكذلك قَلمي - الذَي ربيتَه ولم أصُنه، وعلّمتَه ولم أحفظه - مَا عاد يطيق النظر إليّ، وما عاد يبادلني الحديثَ بعدَمَا كنتُ أبثّه آلامي وأكاشفه آمالي؛ فهو لا يزال على عهده... كما ربيتَه لا يحبّ النظرَ إلّا إلى صديق أمين... كَيْلا يَكتب إلا صدقًا... ولا يقول إلا حقًّا!

آه...!!
فلَو أعلم أنّك يسرُّك مَوْثِقٌ كَموثق أبناء يعقوب لأبيهم لأعطيتك إياه... ولكِنّي أخشى التقصير ثمّ لا أجد من يشهد لي بصدقي؛ فتجتمع عليك المصائب وتحفُّك الأكدار كمن أصابته جائحة ذاك في ماله وأنت في فلذة كبدك!!

فلم أجد - والحال كما وصفتُ - سوى عَبرات أتفرّجُ بها مما أنا فيه؛ ترسم لك صورة اعتذار أحسبها صادقة من ابن يرومُ أن يثُوبَ إلى أستاذه... وصديقه... وأخيه... و... أبيه!

والسلام عليكم: ابنكم!

--------------
المقال كنت نشرته سابقًا على شبكة الألوكة-رابط الموضوع: https://www.alukah.net/social/0/61037/#ixzz6MQP44zTP

تعليقات