قوّةُ الدَّعوة في حُضورِ حُكمائها

 

إنّ دَعوةَ الإسْلامِ دعوةُ علْمٍ وعملٍ، وَلابدَّ لها في كلِّ زمانٍ ومكانٍ حُكَمَاءُ يُرْجعُ إليْهم في الأمورِ العِظَام حتّى تحافظَ على توازُنها، وتحتفظ بنقاوة تراثِها. وإلّا! لَوْ فُتح البابُ لكلِّ مَنْ يطلب العلمَ أن يتقدَّمهم، ويتقدَّم عليْهم فَإنّ الأمرَ -ربّما- سيؤول إلى كَارِثَةٍ علميّة تَربوية وَلوْ بعدَ حينٍ:

فقولي (كارثة علميّة): لأنّ الطالبَ قدْ يكونُ معَه عِلْمٌ كافٍ مِنْ حفظٍ وتأصيلٍ وتمكّنٍ في بعض المسائل، وبالمُقابل قدْ تجده فاقِدًا للحِكْمةِ والتَّحكّم بسببِ انعدام الخِبرة اللّازمة، والتّجربة الضّرورية في مواجهة المسائلِ الخطيرة اللّحظية. فَوُلوج المسائلِ العامّة مع انعدامِ الحكْمة و القدرةِ على التّحكّم قَدْ يُدْخل المتصدِّرَ  والدّعوة في حَرَجٍ عظيمٍ، ومأزقٍ شديدٍ لا مخرجَ منه إلا من البابِ الذي يدْخل منه المتربّصونَ المتصيّدون. لذلك كان السّلف يقولون: «مَنْ تصدَّر قبل حينه افتُضح في حينه»، فكانوا يحذّرون مِن التّصدّر المبكّر ولا سيما مع وجودِ مَنْ هُم أعلَمُ وأحكمُ.

فلا بدّ -إذا- للمتصدّر أن يكونَ في مستوى التَّعامل مَع المادّة العلميّة والتربوية بالنّظر إلى جميعِ أصنافِ الحُضورِ، فقد يكون منهم الجاهل والعالم والمثقّف والسّياسي والصّحفي و...و...و..ولاسيما إذا كانت المادة تتعلّق بقضايَا الأمّة المصيرية(أو المسائل العامّة)، ليسَ درسًا في تَصْحيحِ حديثٍ أو تضعيفه، ولا في إعرابِ كَلِمةٍ أو التّكلّم في الإعْرابِ.

وأمّا قولي (كارثة تربويّة): فَلأنَّ العِلمَ ليس بالضّرورةِ أنْ يُعطيَ خُلُقًا.

لِذا! لا بدّ للمعلّمُ المربّي أن يحذرَ ويحاذرَ وهو يستعمل صَلاحياته العِلْمية والإدَارية الإلزامية. فالمشكلة لا تكمنُ في فَرضِ مَا سيَلْتزِمُ بِه الآخرون بقدْر ما يَلزمه هو- أن يتأكّد مِنَ مَدى الجَاهزيّة. فهذا السّلوك التربويّ لنا أن نأخذَه مِنْ شَرعنا الحنيف، فالنّاظر في الفروض الشرعيّة يجدُ أنّه ليسَ مِنْ فَرْضٍ أُقرّ إلّا وقَدْ سَبقَه مقدِّمات.

وإنّي أقولها وبكلِّ ثقة بِأنَّه مَتى تخلّى المعلِّمُ المربّي في مكانٍ مَا عن مسؤوليته في التربية أو تجاهَلَها أو استعمل صلاحيّاته بعيدًا عن الحِكْمةٍ فَليسَ لَك إلا أن تكبّرَ على الدّعوة في ذاك المكان أربعًا لعظِمَ ما ينتظرها من مصائِبَ.

وهنالك جزئية أرَاها هامّة جدّا أختم بها هذه الكلمة القَصيرة وهي ضرورةُ استبعادِ المجامَلات والأنانية والاعتداد بالرأي في مجالِ التربية والتعليم لأنّها مسؤوليةٌ عظيمة ولا سِيما في اختيار المتصدِّرينَ المرَبِّين. فالمقام لا يقبلُ مدالسة ولامُوالسة البته؛ فالمجامَلاتِ -بمرور الزمن قد تنقلبُ إلى حُقوقٍ شهوانية، والاعتداد بالرأي يؤول إلى العصبية الجاهلية، وأما الأنانية فإنها من أودية البحث عن شهوة الشهرة والرياسة؛  فَمتى ظهرت مثل هذه السلوكيات فإنَّ عجلةَ التّربيةَ -لاشكَّ- أنها ستتعثّر، بل ربّما- ستتوقّف لحينِ إزالة العَوائق، وإزاحة العَوالق وهذا مما سيكلّف الوَقتَ الكثيرَ، والجهدَ الكبيرَ وكلّه على حسابِ الدّعوةِ الإسلامية التي يُراد لها التَّأخّر والتّأْخير وقدْ رأيْنَا مثلَ هذا يحَدُثُ ولا يزال.

ولا مفرج إلا الله.

 

والله من وراء القصد وهو الموفِّق!


---

نسخة معدلة

 

تعليقات

الأكثر قراءة

touch wood , cross finger, Jesus (Christ!)...

مناقشة هادئة: السّبتُ بين صيامه قصدًا وصيامِه تبعًا

البرّ لا يبلى.. والإثم لا يُنسى والديان لا يموت.. فكن كما شئت (كما تَدين تُدان)