أيّها النّاسُ! التّواضعَ فإنّهُ الرِّفْعَةُ

 في الوَاقِعِ تردّدتُ -كثيرًا- في كِتَابةِ هَذِهِ الأَسْطُرِ (المتَوَاضِعَةِ) عَنْ خُلُقٍ رَفيعٍ عَزَّ وُجودُه في هَذِه الأزْمنِةِ المتأخّرةِ أيْنَ طغَتِ المادّةُ علَى قلوبِ النّاسِ فَأَنسَتْهُم الحَقِيقَةَ المتواترةَ: بِأنّهم خُلِقُوا مِنْ تُرابٍ، ثُمّ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ يخرُجُ مِنْ بينِ الصُّلبِ وَالتّرائِبِ، ثُمَّ حَياةٌ فَموْتٌ، فحياةٌ أبَدِيةٌ نفوّضُ كُنهَهَا إلى خَالِقِهَا وعَالمِها.

وَما جَعَلَنِي أَرفعُ قَلَمِي (المتواضعَ) أَمَامَ مَنْ يقرَؤُه ممّنْ يفضُلُنِي عِلْمًا وَعَمَلاً –وكثيرٌ هُمْ- لَـمّا سَمِعتُ بَعضَ النّاسِ، بَلْ الكثير يُكرّرُ عِبَارَاتٍ –في الوَاقعِ- لا تَخْرُجُ إلا ممَّنْ فَقَدَ الْبَصيرةَ وَأَبْهرَتْه هَذِه الدّنيا الحقيرةُ، حيثُ تَجِدُ الكثيرَ حِينَما يتكلّمُ عنْ مَشَاهِيرِ الْأغْنياءِ مِنْ ذَوي المناصِبِ، وَ -كذلك-مَا يُسمّوْنَ بالفنّانين الكبارِ ومَنْ شاكَلَهم -الذينَ لا يُمكنُ أنْ يصلَ إليْهِم إلا خاصّةُ خاصّةِ الخَاصّةِ –ولك أن تضيفَ مَا شِئتَ بحسبِ الشُّهْرةِ -قُوّةً أو ْضَعْفًا-، تجدُهم يتساءَلُونَ:

هَل حياةُ هؤلاءِ الصّنفِ مِنَ النّاسِ مثلُ حياتِنا مِنْ حيْثُ الفِطرةُ...؟!

بِمَعْنى:

هَل يأكلونَ ممّا نأكلُ ويشْرَبون ممّا نشربُ؟!

هل يَنامُون....؟! هَل يمزحون...؟! هل يغْضَبُون...؟!

إلى أنْ طَرقَ سَمْعِي - هَذَا التساؤلَ–العجيبَ والغريبَ عَنِ الكائنِ الحيِّ!- مِنْ كائن حيٍّ مِثْلِهِ : هَلْ يقضون الحاجات...؟!!!

وَفي الوَاقِعِ أنَا لاَ ألُومُ مَنْ دَخلَ مخيّلتَه -مِنْ غَيرِ استئذانٍ- هَذَا التّفكيرُ الشّاذُّ، بسببِ أنَّ ذَاك الصّنفَ مِنَ النّاسِ -ولْنُسَمّيهم تسْهِيلاً (الطّبقَة العُليَا)- قَدْ جَعلَ بَيْنَه وَبينَ إِخْوانِهِ مِنَ النّاسِ حَواجزَ معنوِيةً ومادية كثيرةً –اضطرارًا أو اخْتِيارًا- لِدَرجةِ أنَّ بعضَ النّاسِ لم يَعدْ بِمَقْدُورِهِم أَنْ يَتَصوّرُوا حَقِيقَةَ حَياتِهم في بُيوتِهم وقُصُورِهم.

وَالرّاجعُ إلى تَارِيخِ العَربِ قبلَ الإسلامِ يجدُهُم لَم يكونُوا سِوَى مجتَمَعٍ فَقِيرٍ بعيدٍ عنِ الحضارة، يَقْتلُون أَولادَهم خَوفًا مِنْ العَارِ أوالَفقْرِ، ويَعْبدُونَ حِجارَةً لا تَنفعُ ولاتَضرُّ، وَيقتَرِفُونَ شَتَّى أَنْواعِ المنكَرَاتِ عَلى أنَّها جزءٌ مِنْ حَيَاتِهم الاجتماعية الاعتياديةِ، بَلْ مَنْ يَفْعلُ خلافَ ذَلك أوْ يَمتنِعُ عن ذلك يُحكَمُ عليْه مِنْ قِبَلِهم بالشّذُوذِ.

إِلَى أنْ بَعثَ اللهُ تَعالى نبيَّهُ العَرَبِيَّ محمّدًا صَلّى اللهُ عليهِ وسلّم، فَارتَفَع بِه شَأنُ العَربِ -خاصّةً- والمسلمين –عامّةً- حتّى صَارُوا مِنْ أكثرِ أغنياءِ الأمم. فِلذَلِك قالَ النّبيُّ صَلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ -مُقْسِمًا-: (فَوَاللهِ مَا الفقرُ أخشَى عَليكُم وَلكنْ أخشَى أنْ تُبسطَ الدّنيا عليْكُم كَما بُسطتْ على مَنْ كان قبلَكم فَتنافَسُوها كما تَنافَسُوها فُتهلكَكُم كَما أَهلكتْهم)؛ وهو الحَاصِلُ الآن، وَهُوَ مِنْ دَلائِلِ نُبُوَّتِه صلى الله عليه وسلم.

وَهُنا يجدرُ بِنَا أنْ نسألَ أنفسَنَا :

مَنْ مِنّا لا يعرفُ عَنْ حياةِ النّبيِّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلّمَ؟

فَهَذَا السّؤالُ نفسُه لَوْ نسألُه أولئِكَ الذِينَ يتعجّبُونَ مِنْ حياةِ (الطّبقةِ العُليا) لأَجَابُوا بِأجْوبةٍ سديدةٍ تُوافقُ فِطرةَ اللهِ التي خلَق الإنسانَ عليْها. فالْكُلُّ عَلَى دِرَايَةٍ بأنَّ النَّبيَّ صلّى اللهُ عليْهِ وسلّمَ هو سَيِّدُ بِني آدمَ، وَأشرفُ العربِ نسبًا وَأَصْدَقُهُم قوْلاً، وَأحسنُهُم خُلُقًا، وأَجملُهم خَلْقًا، وَأشجَعُهم عِندَ اللقاءِ، وأنّه –صَلَّى اللهُ عليْهِ وسلّمَ- لَم يتركْ (شيئًا) النّاسُ في حَاجةٍ إليهِ إلاّ وَقَدْ عَلّمَهُم إيّاه.

فَانْظُر –إنْ شِئتَ- في دواوينِ السُّنَّةِ، مِنْ صِحاحٍ وَمسانِدَ وَسُنَن وَأَجْزاء وَمُستدرَكَات وَمُستخرَجاتٍ وغيرِ ذَلك، تجدُها مَشحونةً بأحوالٍ فِطْريةٍ صُبغَتْ بَصِبغةٍ شَرعيّة فمِنْ ذلِكَ:

كَيفَ كَانَ وَماذَا يأكلُ، وَيشربُ ويلْبَسُ صلى الله عليه وسلم؟

وكَيفَ هُوَ فِراشُه وَنَوْمُه ؟

دخولُه الخلاءَ وَالخُروجُ مِنْهُ.

أخْلاقُه، كلامُه مُزَاحُه مَعَ أَهلِ بيتِه وأصحابِه والنّاس عَامّة.

أحوالُه في الأسْوَاقِ والمَسَاجِدِ وَالْأسْفَارِ.

إلى حِينِ وَفَاتِه صَلوَاتُ رَبِّي وَسلامُه عَليْهِ.

وَمَنْ قَرَأَ كُتُبَ الشّمائِلِ لَعَلِمَ قدْرَ هَذَا النَّبيِّ الكَرِيمِ صَلَّى اللهُ عليْهِ وَعلَى آلِهِ وَسَلَّمَ تسليمًا كثيرًا.

وبعدَ هَذَا أَسْألُ أولِئكَ المنبهرينَ الحائرينَ:

بِما أنّكُم تَعِرفونَ دَقائقَ حياةِ النَّبيِّ صَلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ وَلمْ يُصبْكُم مَا قَدْ أَصَابَكُم مَعَ أُولِئِكُم؛ فَلِماذَا تَتَعَجّبون -إذًا- مِنْ حياةِ أُولِئك الصّنفِ مِنَ النّاسِ، وَهُوَ مَنْ هُوَ –صلى الله عليه وسلم-، وَهُمْ مَنْ هُمْ؟!

...

إِنَّ السَّامعَ أوِالقَارِئَ قدْ يستغربُ مِنَ هَذَا الكلامِ والحالُ مَعَ مَنْ كَانَت الدّنيا هِيَ همَّهُ وغمَّهُ؛ فكيْفَ إذَا كانَ هَذَا الأمرُ-أيْ: الارتفاعُ المعنويُّ عنْ سَائِرِ النّاسِ- قدْ تعدّى أيضًا إلَى البَعْضِ ممّن يحْمِلُ ويُحَمِّلُ السُّنّةَ النّبويةَ؟! فَهذَا ممّا قَدْ يُستغربُ لهُ، وَذلكَ لما يحملُهَ هذَا السّلوكُ مِنْ تناقضٍ في شَخْصِ الحَامِلِ مع ما يحمِلُه. إذْ كيْفَ يكونُ العبدُ حافظًا للأحاديثِ النّبويّةِ، بَلْ رَاوِيًا لهَا، بَلْ سندَه متصلاً إلى النّبيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمّ تجدُه قَدْ بَنَى سُورًا عَازلًا بينَه وبينَ النّاسِ مِنْ خِلالَ انتِحَاله سُلُوكِياتٍ –اضطّرَاريةٍ أو اختياريةٍ- اعتادَ عليها فَجَعلَها مَنْهجًا يسيرُ عليْهِ، حتّى انتَقَلَتْ بالتّبَعِ إلى كُلِّ مَنْ هُوَ سَائرٌ في طريقِ طَلب العلمِ، يُشبهُ إلى حدٍّ مَا دورةَ حَيَاةٍ، لينضم هو كذلك -معنويًّا- إلى (الطّبقةِ العُلْيَا).

 قأذْكُرُ أحوال المشار إليهم:

1. قِلّةَ ظُهُورهم أمَامَ النّاسِ: بَلْ لِدرجةِ الاخْتِفَاءِ، وذلك بغلقِهِم جميعَ المنافذِ والمنافِسِ المؤدّيةِ إليْهِم، فاسمع -إذًا- لقوْلِ ابن القيم في «الفوائد: من علامات السعادة ...»(ص 349):

«إنَّ علامات السعادة والفلاح: أنَّ العبدَ كلّما زِيد في عِلْمه زِيدَ في تواضعه ورحمته.

وكلّما زيد في عَمَله زِيد في خوفه وحذره.

وكُلّما زِيد في عمره نقص مِن حرصه.

وكلّما زيد في ماله زيد في سخائه وبذله.

وكلّما زيد في قدره وجاهه زيد في قربه من الناس وقضاء حوائجهم والتواضع لهم»؛ لأنّ التواضع هو: "الطريق الذي يدخل الشخص المجتمع ويكون به عضوًا ملتئماً مع سائر الأعضاء التي يتألف منها جسد الامة؛ فالتواضع أنجح وسيلة إلى الائتلاف والاتحاد" [رسائل الإصلاح:1/ 127].

فَالاختباءُ -إذًا- سُلوكٌ لم نسمَعْ به في سِيَرِ الأعْلامِ النّبلاءِ، وَلَا كانَ مِنْ دَأَبِ خَاتَم الأنبياءِ،

ممّا أدّى إلَى:

2. صُعُوبةِ مخَاطَبتِهم: فَلا يُمكنُ مخاطبَتَهُم إلاّ عَنْ طريقِ هاتِفٍ وَفي أوقاتٍ محدّدَةٍ محدُودَةٍ، هَذَا إنْ كانَ لك حظٌّ في سَماع صَوْتِه؛ مما أدّى إلى:

3. تَجمهُرِ النّاسِ حَولَهم حالَ رُؤْيَتِهم عِندَ كلّ مَحفَلٍ بِسبَبِ اشْتياقِهم إِلَيهم، فَتجدُ العَشَراتِ تنقضّ عَليهم انقضاضَ الأسدِ على فريستِه طمعًا -طبعًا- في جوابٍ على سُؤَالٍ قَدْ يُصلِحُ أمراً من أمورِ دِينِهم أَوْ دُنْيَاهُم؛ ممّا أدّى إلَى:

4. غُلُوّ بعضِ النّاسِ فيهم –من الخاصّ والعامّ- عِندَ الالتقاءِ بِهم، مِنْ إفْرَاطٍ في تَقبيلِ الرَّأسِ وَالْيَدِ –تارةً!- وَمخاطَبَتِهم بِكلاَمٍ لَم نسمعْ أنّه قيل في أَفْضَلِ الخَلقِ بَعدَ الأنبياءِ-تارةً أخرى-، فانظر –رحمك الله- إلى بديع كلام ابن القيم –رحمه الله- «مفتاح دار السعادة: 2/ 296»:

«إنَّ شهودَ العبد ذنوبه وخطاياه موجبٌ له أن لا يرى لنفسه، ولا له على أحد حقّا؛ فإنه يشهد عيوب نفسه وذنوبه، فلا يظن أنه خير مِنْ مُسْلمٍ يُؤمن بالله ورسوله ويحرّم ما حرّم الله ورسوله. فَإذَا شهد ذلك مِنْ نفسه لم يَرَلها على النّاس حقوقًا مَنْ الإكرم يتقاضاهم إيّاها ويذمّهم على ترك القيام بها؛ فإنّها عنده أخسّ قدْرًا وأقلّ قيمةً مِنْ أن يكون لها على عباد الله حقوقٌ يجب عليهم مراعاتها، أوْ لَه -لأجله- فضلٌ يستحقّ أن يُكرم ويُعظّم ويقدّم لأجله؛ فيرى أنّ مَنْ سَلّمَ عليْه أو لقيَه بوجهٍ منبسط فقَدْ أحسنَ إليه وبذَل له مَا لَا يستحقّه فَاسْتراحَ هذا في نفسِه وأرَاح النّاس مِنْ شِكايته، وغضَبِه على الوجود وأهله.

فما أطيبَ عيشَه! وما أنعمَ بالَه! وما أقرَّعينَه!

وأينَ هذَا ممّن لا يزال عاتباً على الخلق شاكياً تركَ قيامِهم بحقّه ساخطاً عليهم وهم عليه أسخطُ؟!».

ثمّ إنّ مسلكَ الغلو عند اللقاء أدّى إلى:

5. متابعةِ –الكثير- لتفاصيل حياتِهم حتّى مَنْ حولهم مِنْ أولى أرحامِهم وإن كانوا ليس لهم في الفضل ما يُذكر؛ مما أدّى إلى:

6. إعطائِهِم –تَصوّرًا!- منزلةً عاليةً تجاوزَتْ منزلةَ البَشرِ حتّى بَاتَ بعضُ النّاسِ يتساءَلُ نفسَ ذَلِكُم السّؤال –أتذكرونه؟!-:

هَل يعيشُون مِثلنَا مَعَ أهاليهم في بيوتهم؟

أَمْ لَهُم حياةٌ أُخرَى غيرُ التّي نَعرِفُها؟!! .....

إلى أنْ تَعدَّى الأمرُ -كَذَلِكَ- إِلَى:

7. ادّعاءِ -بعضِ المحبّينَ مِنَ الجُمْهُورِ- العِصْمَةَ لِبَعْضِهِم فلا مخطّىءَ وَلَا مُعاتِبَ مما أدى ببعض هؤلاء الفضلاء إلى:

8. عدم الإذعان للحقّ والانقياد إليه: سُئل الفضيل بن عياض عن التواضع فقال:"يخضع للحق وينقاد له"[مدارج السالكين: 2/ 329].

ويقولُ ابن القيم شارحًا –في فصل تواضع العبد لصولة الحقّ- :

« يعني: أن يتلقّى سلطان الحقّ بالخضوع له، والذلّ والانقياد، والدخول تحت رقّه بحيث يكون الحق متصرفًا فيه تصرف المالك في مملوكه؛ فبهذا يحصل للعبد خُلُق التواضع، ولهذا فسّرَ النبيُّ الكبر بضده؛ فقال:«الكبر بطر الحق وغمصُ الناس». فبطر الحق: رده وجحده والدفع في صدره كدفع الصّائل و غمصُ النّاس احتقارهم وازدراؤهم. ومتى احتقرهم وازدراهم : دفع حقوقهم وجحدها واستهان بها. ولما كانَ لصاحب الحقِّ مقالٌ وصولةٌ:كانت النفوس المتكبرة لا تقر له بالصّولة على تلك الصّولة التي فيها ولا سيما النفوس المبطلة؛ فتصول على صولة الحق بكبرها وباطلها؛ فكان حقيقة التواضع:خضوع العبد لصولة الحق وانقياده لها فلا يقابلها بصولته عليها»[مدارج السالكين: 2/ 333].

وبعدَ كلّ ذلك... لَمْ تَبقَ سِوَى:

9. عِبَادتُهم –العبادةُ الخفيّةُ-!! وَاللهُ وحدَهُ العاصمُ.

فَهذَا الكلامُ ليسَ ضَرْبًا مِنَ الخَيالِ أو محاولةً للإفسادِ، وَلكنّه الواقعُ المرُّ الذِي نعيشُه.

ثُمّ إنّ الوَاحدَ مِنّا كانَ يظنُّ بأنّ سلوكَ هذِه المزالقِ مقتصرٌ على بَعْضِ مَنْ يُشارُ إِليهِمْ بِالبَنَانِ، وِإذْ بِالعَدْوى تَنْتَقِلُ إلى بَعْضِ مَنْ لا يَزَالُونَ يَتَسَلَّقُونَ سُلّمَ الوُصُولِ ظنًّا مِنْهُمْ بِأَنَّهُ هُوَ الطَّريقُ الحقُّ. فَإنّي أسأَلُ كُلَّ مَنْ كَانَ ذَا حَالَه وإلى ذاك مآلُه:

هَلْ سَمعتم أنّ أبَابكرٍ الصّديق -خليفةَ رسولِ اللهِ-صلى الله عليه وسلّم- وصاحبَه – مِنْ عادته- اجتماع الأتباع وَالصّحابة حَوْلَه، فَيُقَبّلُونَ يَدَيْه أَوْ رَأْسَه عند كلّ لقاءٍ؟ وَهَلْ قَرَأْتُم في سيرِ الأعْلامِ مَنْ كانَ يَفعلُ ذَلك ليُفْعلُ بِهِ هَكَذَا؟ أمْ هَلْ قَرَأْتُم أنَّ أبَا بَكرٍ كانَ يخْتَفِي في بَيْتِه فَلَا يظهَرُ أمامَ النّاسِ إلاّ في المحَافِل والمناسَبَاتِ؟

فَإنْ كَانَ نَعَمْ!

فَأْتُونَا بِه لِنقولَ لَكُم: هَذَا لَيْسَ مِنْ صَحيحِ دِينِنَا –إسنادًا ولا فهماً- في شَيْءٍ...

ثُمّ نقولُ لهؤلاءِ الذينَ يَتجَمْهرُ النّاسُ حَوْلهُم في كلّ حالٍ، ويَنْسَخُونَ كُلَّ مَا يخرُجُ مِنْهُمْ مَهْما قَالُوا أَوْ فَعَلُوا في حَال السّرورِ وحَال الغَضَبِ، وَكَأَنَّ بالجُمْهُورِ يُدَوِّنُ سُنَنًا لنَبِيٍّ مِنَ الأنبياءِ:

هَلْ أنتُم رَاضُون بِذَلك؟!

فَإن كانَ جَوابُهم نَعم !

فَأبشِروا بحديثِ النّبيِّ صلّى اللهُ عَليْهِ وسلّمَ :(مَنْ أحَبَّ أنْ يَمْتثلَ لَه النّاسُ قيامًا فَليتبوّأ مقعدَه مِنَ النّارِ)، وَقِسْ على ذَلك فإنّ العلةَ واضحةٌ وُضوحَ الشّمسِ لا حاجةَ لمزيدِ بَيانٍ لها ولا اسْتِبيانٍ!

وَإنْ كانَ جوابُهم بالنّفي –ولا شكّ-، وأنَّ هَذَا جَاءَ -اضطِرَارًا- فَأزِيلُوا عَنَّا هَذِه الفتنةَ العَمْياء-اختيارًا- فَلَقَدْ آذيتم.

وأخيرًا أُذكّرُ بحديثِ النّبيِّ -صلى الله عليه وسلّم-:(إنّ اللهَ أَوْحَى إليَّ أنْ تَواضَعُوا حَتّى لا يفخرَ أحدٌ على أَحدٍ، وَلَا يبْغِي أحدٌ على أَحدٍ)، فَمَنْ كَانَ سَندُه مُتّصِلاً بِهَذَا الحَدِيثِ فَلَا يبخل غَيْرَه أنْ يَرْوِيَه عَنْهُ بسندِهِ، ثُمَّ لا يَبْخَلُ أحدٌ عَلَى نفسِهِ وَلَا عَلَى غَيْرِهِ مِنَ النّاسِ أنْ يعملَ بِهِ؛ فإنّه سِرُّ التحديثِ...

فيا أيها العقلاء! هَلاّ تواضَعْتُم قَليلاً–رَحِمَكمُ اللهُ- ...؟

والحمدُ للهِ رَبّ العَالمين.

-----

·       نسخة معدلة

تعليقات

الأكثر قراءة

بين "الروتين" القاتل والنافع!

عادات...تقاليد...موروث قديم...