علامات الصلاح بين أمسهم... ويومنا

 



هكذا هي الأزمنة في سيرها مثل قاطرة تسير باتجاه واحد تخلّف وراءها حوادث صارت أحاديث، ووقائع صارت حكايات أكثرها لا يصلح لقراءة ما قبل النّوم لما تحمله من آلام، وتتركه من أحزان...

حينما أتخيل ذاك الزمن الذي صار حبيس الكتب وسجين المكتبات ليس لي إلا أن أسكب تلكم العبرات التي ذاتها أسكبها على هذا الزمن الذي عزّ فيه شيء اسمه صلاح وصالح وصلح ومصلح وأصلح ويصلح...كل ذلك راجع لتغير موازين صرف هذ الكلمة (ص ل ح) في أروقة هذا الزمن وأسواقه المحلية والعالمية...أَفَلَا يذَكّرنا هذا بقول نبينا صلى الله عليه وسلم: "سيأتي على النّاس سنَوات خداعات يصدق فيها الكاذب و يكذب فيها الصادق و يؤتمن
فيها الخائن و يخون فيها الأمين و ينطق فيها الرويبضة . قيل : و ما الرويبضة ؟
قال : الرجل التافه يتكلم في أمر العامة"؛ فهكذا جميعنا يرى انقلاب موازين الصلاح في زماننا: الصادق يُكَذّب، والأمين يخون، والمصلح استحال مفسدا، والمفسد صالحا..فدعنا نصنع مقارنة مختصرة لبعض مؤشرات الصلاح بين الأمس واليوم:

فمن مؤشرات الصلاح بالأمس القريب:

1.   حفظ القرآن

2.   الحفاظ على الصلاة

3.   الحفاظ على العبادات الجماعية

4.   الإيثار على النفس

5.   تحري الحلال

6.   الزهد في الكماليات

7.   الحب في الله

8.   نصرة المسلم

9.   الاعتزاز بلغة القرآن

10.                      الاعتزاز بالإسلام وإظهار شعائره

11.                      الاعتزاز بالتعليم والمعلّم

12.     التهيب من الفتوى

13.  الاهتمام بطلبةِ العِلم

14.  ...

بينما من مؤشرات الصلاح اليوم:

1.   تفوّق الجنسية

2.   قوة جواز السفر

3.   الشُّهْرة (كالمستثمر، والمغني، والفنان، واللاعب،...)

4.   التجارة والعقارات

5.   الرصيد البنكي

6.   المناصب الاجتماعية والسياسية والمعارف (الواسطات)

7.   الوظيفة العملية

8.   الهيئة الخارجية من ملبس ومأكل ومركب ومسكن

9.   اللغة الإنجليزية أو الفرنسية

10.                      مدارس وجامعات عالمية

11.                      ....

فدعنا نحلل القواسم المشتركة بين مؤشرات الصلاح التي اعتمدتها مجتمعات أهل هذا الزمان ولا سيما المجتمعات الغريبة عن الهوية الإسلامية، والتي سارت وفقها الكثير من مجتمعاتنا وأسرنا المسلمة المؤمنة:

فأمّا تفوّق الجنسية: فهي من الأمور النسبية التي تمشي وفق قاعدة "اليوم لك وغدا لغيرك"، وقل مثل ذلك في قوة جواز السفر. ثمّ –أيها المسلم- يا من تقول لا إله إلا الله محمد رسول الله-: فهَل الإنسان يختار أمه وأباه وعشيرته وموطنه ومكان ولادته؟!...فهذه وَقفة في حاجة إلى تفكير عميق، ومراجعة للأنفس والعودة بها إلى فِطَرها السليمة.

وأما الشّهرة: فهي التي يسميها  العلماء "الشهوة الخفية"؛ وهي التي غالبًا ما تورث صاحبها الكِبر والعلو على الخَلق.

وأما اللغة: فإن الإنسان بِطبعه يعتز بهويته ولغته كيفما كنت، فكيف إذا كانت هذه اللغة التي نشأ عليها العبد هي لغة القرآن؟ أفَيَليقٌ بنا أن نؤخرها ونعوضها بلغات أجنبية لنجعلَها هي التي تعبر عن هويتنا وصلاحنا؟

وأما الصفات المعتمدة على المال: فالعبد كما هو معلوم لا يختار فقره ولا غناه ولا مهنة أبيه أو ما شابه ذلك، بل إنَّ المالَ مالُ الله تعالى وهو الذي قسم الأرزاق ابتلاء؛ قال تعالى: (أهم يقسمون رحمت ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ، ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون)، وقال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)...

....فهكذا ينبغي أن نفهم الماديات لنفهم كيف نتعامل معها.

ويلحق بذلك الهيئة الخارجية من ملبس ومأكل ومركب ومسكن: فأُذَكِّر بما قاله صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا أجسامكم ولكن ينظر إلى أعمالكم).

 

وبعدُ؛ ألا يفكر المسلم وَلَوْ قَلِيلاً:

ماذا قدم لآخرته؟ وماذا يقول لربه؟ وأين هو من قوله تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)، وقوله تعالى (إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين).

أولا يَتذَكّر فِعل قارون الذي كان يمشي متباهيا بماله وسلطانه قائلًا: (إنما أوتيته على علم عندي ) فعاقبه الله تعالى فخسف به وبداره الأرض...

وقول فرعون الذي أحاط به الكِبر فقال -مدعيًا-: (أنا ربكم الأعلى) فأخذه الله نكال الآخرة والأولى...

وذاك الذي أعجبته جمال حديقته الواسعة فراح يتكبر، وينسب الفضل لنفسه فعاقبه تعالى فـ(أصابها إعصار فيه نار فاحترقت)...

ومثل ذلك صاحب الجنتين، فكل هذه قصص تتلى للاعتبار...

ولكن لمن...؟

والجواب:

(لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد).

...

فإلى متى؟!

 

 

 

 

تعليقات

الأكثر قراءة

touch wood , cross finger, Jesus (Christ!)...

مناقشة هادئة: السّبتُ بين صيامه قصدًا وصيامِه تبعًا

البرّ لا يبلى.. والإثم لا يُنسى والديان لا يموت.. فكن كما شئت (كما تَدين تُدان)