صورة واقعية: طلبة العلم والمشيخة الكاذبة

 

يختلف سَيرُ طلبة العلم باختلاف مقاصدهم وتنوّع طرائقهم، فمنهم مَنْ يكتَفي بالطلب لنفسه ويعمل بما تعلّم، وَمنهم من يوسّع الدائرة لتشمل عامّة النّاس، ومنهم من سبيله حشد الأتْبَاع. وهَذا الصّنف الأخير ليس جميعهم على نفس الشاكلة من حيث الصدق والكذب، فلذلك قلتُ في حقّه (ومنهم من سبيله...) ولم أقل غرضه، لأنَّ فيهم الكَاذب وفيهم الصّادق المخطئ، ولكن جميعهم تواضَعُوا على نتيجة واحدة ألا وهي لبس تاج المشيخة! والذي يهمنا في هذا المقام النّظر في الصنف الذي نحسبه صادقا لكنه أخطأ جادة أهل العلم العاملين.

كيف ذلك؟ ومَن المسؤول عن كلّ ذلك؟

في بداية الأمر تجد الواحد منهم يسير خلفَ أستاذِه سير الولد خلف أمه لا يعصيه ما يأمره ويفعل ما يُؤمر به، سواء أخطأ الأستاذ أَمْ أصاب. فيكسب هذا الطالب ودّ شيخه مقابل الأمان الذي أدخله إلى قلبه، ومثل هذه المعادلات تتحقق بكثرة في هذا الزمان بسبب ما تعانيه الدعوة من قلةَ أمن وأمان!

فهذا الشعورُ يحمِلُ الأستاذَ على تقديم تلميذه للمجالس العامة، وإبرازه في المحافل الهامّة من غير رقيب ولا حسيب، وسرعان ما يتصدّق عليه المتتبعون بألقابٍ علمية -كانت عزيزة جدا-، تتطور -مع الأيام- بتطوّر الإعلام فيُصدِّق هذا الطالب (الصادق المخطئ) هذه الألقاب، فيتخذها سيفًا يسلّه في وجه مَن يريد تخطئته تخطئة طبيعية شرعية، أويروم محاورته محاورة بشرية علمية، فلا يعترف بخطأ ولا يذعن لحق، بل تراه يصادر رأي مخالفيه مِنْ إخوانه بأسلوبٍ يكاد يكون جوابا على سؤال: من أنتَ حتى تحاورني وتخطئني؟!

أو: مَنْ أنتَ حتى تحشرَ أنفك في مثل هذه المسائل؟!

فمعَ أنّ الاعتراف بالخطإ من أجمل الفضائل إلا أن نَفْسَه استحالت عدوانية، وصارت تنظر إلى مثل هذه الخلال على أنّها منقصة مِنْ قدْره، وغضّ من منزلته، فليس يجمل به أن يعترف بحقّ غيره، وهو فضيلة الشيخ الذي صار يلقي الدّروسَ الكثيرة أمام الجموع الغفيرة، ويفتي الناس صباح مساء بأجوبة مثيرةٍ.

ماذا نتج عن ذَلك؟ تناحر بين الأحباب، وتدابر بين الأصحاب أصحاب السّنّة الواحدة، وذهابٌ لهيبة العلم وأهله.

فبهكذا شعور...يجني الأستاذ على نفسه وتلميذه ومجتمعه وأمته؟!

وبهكذا أسلوب...يجني التلميذ على نفسه وإخوانه ومجتمعه وأمته؟!

فلو كان همُّ الأستاذ التربيةَ من غير تمييز، واحتساب أجرِ تبعات هذا العمل لَمَا حدثَ الذي حدثَ! ولو كان همّ التلميذ تربية نفسه قبل تربية غيرهِ لمَا حدث الذي حدثَ.

ولا أخطئ إن قلتُ: بأنّ مِثل هذا الصّنف من الأساتذة ومثل هذا الصنف من التلاميذ هم المسؤولون عن الكثير من المهازل التي نعاينها ليس فقط في الساحة الإعلامية بل في الأمة الإسلامية، وتعاني منها المجتمعات، وَأنّ لغة المكابرة التي يتجمّلون بها ليستْ سوى تاجٍ لمشيخة كاذبة غالبًا مَا يَنْجلي غبارها مع سكون أنفاس أصحابها.

فهذه صورة التقطتها مِن واقعنا الأليم، لا يحسن بمَن ينهل من ميراث النبوّة أن يغفل آثارها، ولا أن يُهمل علاجها.

وفق الله الجميع!

تعليقات

الأكثر قراءة

بين "الروتين" القاتل والنافع!

عادات...تقاليد...موروث قديم...