أزمةُ عملٍ
هناك ضربٌ من النّاس يحتقر خصمه، ويزدري مخالفَه مناديًا إياه –في محاورة علمية!- بكلمات عنيفة، ونعوت عفنة (يا حمار! يا مبتدع! يا جبان! يا منافق! يا غبي! ...)؛ فما الدَّاعي-أيها الداعية–إن كنتَ داعيةً- لأن ترميَ خصمك بجارحة مِنَ القول، وبهُجر من الكلام؟
والغريب أنهم يفعلون ذلك وهم على دراية أنّ كلامَهم –وإن
كان حقًّا- لن يجدَ طريقه إلى قلب الخصم، ولا سبيلاً إلى مسترشدٍ عابرٍ، فما الغاية -إذًا- من المحاورات والمناظرات؟ والأغرب من ذلك أنّك تجد هذَا الصنفَ حين يكتب
في أدب الخلاف، ويتحدّث عن أصول الاختلاف
يحشدُ لك النّصوص الداعية إلى التلطف مع الكفرة، والمحرضة على اللين مع
الفجرة لِيقنعك أنّ الحكمة في دعوته ليستْ غائبة ، وأنّه لن يتخذ من موقع النّزاع
محكمةً تقضي على خصومه وتقصي مخالفيه، بينما لماّ ينتِقلون إلى العمل في ساحات
النزاع يخلّفون وراء ظهورهم تلكم الآدابَ الرائعة التي كانوا يتحدثون عنها،
والصورَ الرائقة التي كانوا يرسمونها في مجلداتٍ
مزخرفةٍ أفرغتْ الجيوب.
وهكذا الشأن في مسائل عديدة –أغلبها
ليس للعبد فيها اختيار- أين نرى أفعالهم اتخذتْ وجهة مصادمة لأقوالهم -حتى انتشرت في أوساط مجتمعاتنا بالتبع-، فأذكرُ
من ذلك على سبيل المثال كيلا يطول بكَ المقام:
نسمع -منهم- عن الأخوة الإسلامية... ولكنْ عند
التطبيق يصدّونك بالتّفاخر بالجنس، والاعتداد بالجنسية!
ونسمع
عن الأمانة العلمية... ولكن عند التطبيق يضربون لك أبدع صور الغش والخيانة!
ونسمع عن التواضع وخفض الجناح... ولكنْ عند
التطبيق يلْبسون أردية الكِبر، وعمائم العجب!
ونسمع عن الجود والإيثار... ولكن عند التطبيق
نرى شحًّا وأنانية!
ونسمع...ونسمع...و...و...ولا زلنا نسمع أشياء
ونرى أشياء أُخر!
مما يدلك
–أيها المسترشد!- على أننا نعيش أزمة عمل لا
أزمة علم...!
والله
تعالى يقول(كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون)!
والله
وحده الهادي!
نسخة معدلة
تعليقات
إرسال تعليق