سذاجة البعض في فهم عقاب الله في الدنيا
بعضُ
السّذّج من المسلمين عِندما قرأ في كتاب الله مثل هذه الآية (إن ربك سريع
العقاب)، وقرأ كيف عَذّبَ ربّ العزة الأقوام الماضية كقوله تعالى: (وانطلقوا
وهم يتخافتون، أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين، وغدوا على حرد قادرين، فلما رأوها
قالوا إنا لضالون)، وقرأ قوله تعالى: (فحشر فنادى فقال أنا ربكم الأعلى
فأخذه الله نكالا الأخرة والأولى)، وقرأ تعذيب أقوام عاد وثمود ولوط وغيرها من
القرى كما قال تعالى: (وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن
من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين)؛ قلتُ بعضُ السّذج ممن أخذه الكِبر
والهوى والغرور عندما قرأ مثل هذه الآيات ولم يشاهد العقوبات الآنية تنزل على
ظالمي عصره والأزمنة الحديثة(1) راح بزعمه يتحدّى الله تعالى أمامَ النّاس؛ كفعل خطيبٍ من خطباء المسلمين الذي
أعلن ردته رسميا بلسانه وبفعله وبصوته وصورته، فمزّق المصحف وبصق على صفحاته ورقة
ورقة معلنا تحديًّا جديدًا على النّتّ: (مَن هو الأقوى "هو" أم "رب
المسلمين=الله"؟!!!) مستشهدًا بأنَّ الله تعالى (سريع العقاب)، فراح يسأل
الناس –بلغة التحدي-: لماذا لم يعقابه الله مباشرة على الهواء وهو يمزق المصحف
ويبصق على صفحاته؟!!!
فهذا
الخطيب المخذول تجسّدُ صورة من صور الكثيرين من أبناء المسلمين ممّن اتجه إلى
أحضان الغرب الفاجر الذي يَدعمُ كلَّ من يلعبُ بنصوص الوحيَيْن، ويتلاعبُ بتراث
المسلمين وتاريخهم في محاولات للعبث والتشويش والتّشكيك والاستضعاف،كمحاولة ذات
الخطيب وغيره إثباتِ أنّ الشذوذ الجنسي (المثلية) هي مِنَ الدِّين متحدّيا كذلك رب
العزة على حدّ زعمه كما فُعل بالمصحف الشريف..
ومَا
يُشبه هذه السذاجة ( أعني لغة التحدّي) ما نراه صادرًا من بعض المسلمين الظالمين
حينما يتحدى المظلومين الذين يلجؤون إلى الله أمام هذا الظالم في لحظة ضعف وعدم القدرة
على استرداد الحقوق، فيجيبُ هذا الظالم "القوي" ساخِرًا بلغة الانتصار والتحدّي
(رُوحْ خلي ربك ينفعك)، وآخر (روح خلي ربك يجيب لك حقك)، وقول البعض الآخر (أحُطّك
تحت رَجْلي (أي قدمَيْ)!!!)..وغير ذلك من الكلام الذي إن دلّ فإنما يدل على مدى
الكِبر والجهل والغرور الذي وصل إليه بعض المسلمين ممن آتاهم الله قوّة.
ويرجع
السّبب –والله أعلم- في استعمالهم لأَساليب التحدّي إلى اطمئنانهم واعتقادهم أنَّ
الله تعالى لا يسمع ولا يعذّب ولا يَنتصر ولا يستجيب لدعاء المظلومين. وتوضيح ذلك
أنّهم حينما نظروا حَولهم لـم يشاهدوا عقوبات آنية تنزل على الظالمين بالرغم من
أنّ الظلم في تزايد. ومَع مرور الوقت تحوّلَ هذَا المشهدُ الاعتياديّ إلى اعتقاد فغفلوا
عن حقيقة أنَّ الله تعالى محاسبُهم ومعاقبهم لا محالة ولوْ بعدَ حين، فأصابهم بذلك
الغرور، واطمئنّوا، فاستعملوا لغة التّحدي الساذجة بألسنتهم وأفعالهم. وهذه الغفلة
الناتجة عن الاعتياد على الأشياء تشبه إلى حدٍّ ما اعتيادَنا على أن الشمس تطلع من
الشرق، واعتيادنا على الجوع والشبع والعطش والارتواء والنوم والراحة والنشاط وقضاء
الحاجة وغير ذلك فغفلنا عن أنها نِعَم من نعم الله تعالى وَجَبَ شكرها ليل نهار...
فأمثالُ
هؤلاء الغَفَلَة لما رأَوْا أنّ عذاب الله لا ينزل بشكل آنيٍّ على الظالمين كما
كان ينزل على الأمم السابقة اعتادُوا على ظلمِ الناس، فحوّلوه إلى صناعةٍ –أي
صناعة الظلم- ومن ثم إلى التحدّي في السرّ والعلَنِ...بل مِنهم مَن بلغ به الكِبر
والطغيان إلى درجةٍ أشبهَ فيها مِن أوجهٍ فعلَ إبليس حينما ظن إبليسُ أن الخيرية
في طبيعة خَلْقِه، فقرَّر -متوهّمًا- أنّ جنس النّار خيرٌ من جنس الطين فلم يلتزم
أمْرَ الله تعالى، بل ذهبَ إلى أبعدَ من ذلك حيث تحدّى الله تعالى في إغواء عباده.
بل –ويا لَلعجب- رأينا هذا الفعل ذاته يصدر من بعض أقوياء المسلمين اليوم حينما
جعلوا الخيرية في الجنس والجنسية والقبلية والعشيرة والأرض وكثرة المال والعَرض
فراح البعض يتكبر على عباد الله جاعلين أوامرَ الله ونواهيه خلف ظهورهم؛ فيبغضون
ويحبون ويوالون ويعادون وَفق ذلك مع أنَّ الله تعالى يقول: (إنما المؤمنون إخوة)،
وقال: (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون)، وقال تعالى: (إنّ أكرمكم عند
الله أتقاكم).
والمقصود
ألَّا يظنّ أمثال هؤلاء السّذج -الذين يزعمون أنهم في تحدٍّ مع الله بأي شكل من
الأشكال- أنَّ قدرتهم على إيجاد التَّحدي وتطبيقه مع انعدام العقوبات الإلهية الآنية
على من يتلفظ بتلك الأقوال الشنيعة أو على من يفسد في الأرض بأي نوع من أنواع
الفساد سيُضْعِفُ مِن إيمان المؤمن الصادق؛ كلاّ وألف كلاّ، فالمؤمنَ على علمٍ
يقيني أنه لا يوجد أحدٌ يـُمْلي على الله تعالى مَا يريد، وأنّ الله قوي حكيم حليم
عليم بما يعمل الظالمون، يعاقبهم متى شاء وكيفما شاء سبحانه، قال تعالى: (وَلاَ
تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا
يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَار)، وقال تعالى: (وَمَن
يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)، وقال أيضًا في حقِّ
الذين يظهرون إيمانهم بالنهار ويكيدون بالمسلمين بالليل: (الله يستهزئ بهم ويمدهم
في طغيانهم يعمهون)...فبعلم المؤمن كل ذلك وبأنّ الإيمان بالغيب من
الواجبات العينية فلا عجب بعدُ ألَّا تنزل العقوبة بشكل آني على الظلمة والجبابرة
والمنافقين والمفسدين، لأن الدنيا دار ابتلاء وامتحان؛ والله تعالى يمتحن عباده –جميعًا-
قويّهم وضعيفهم...
فلا
ينبغي للعبد أن يفقد عقله لحظة ضعفٍ أو غرورٍ، فيظن أن الحياة حُلم أو لعبة أو
مسرحية فيزعم أنه في تحدٍّ مع الله تعالى –كما فعل إبليس!- بينما هو في حقيقة
الأمر معتدٍ أثيمٌ بدُعائه(2) وأقواله وأفعاله.
ومن
نافلة القول وجب تنبيهُ كلِّ ظالمٍ معاند على أنّه لا ينبغي له أن يَظنَّ أنه مَهْما
فعلَ من سوءٍ فإنّ الله لا يعاقبه بحجة أنَّ الله "غفور رحيم"، أو أن
يظنّ أنّ بناء مسجد أو طبعَ مصاحف قبل موته قد يشفع له ما انتهكت يداه مِنْ دماء
وأموال وأعراض، وما اقترفتْ مِن كذبٍ وتزييف وتحريف...فهذه كلّها تخيّلات مظلمة ناتجة
عن غفلة وغرور. فالله تعالى قد وعد نصرة المظلومين والانتقام من الظالمين، فضرب للظاملين
موعدًا لن يخلفه فقال جلّ وعلا: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا
يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ
الأَبْصَار)، وهو بدَوره امتحانُ صبرِ المظلومين وأنّه –تعالى- ناصرهم لا
محالة في ذات الموعد. فليُفهم ذلك.
تعليقات
إرسال تعليق