أيها الإنسان: قل أخطأت ولا تخجل، وإلا...
"...واصل القراءة لمعرفة
التفاصيل..."
لم
تكن مسألة الوقوع في الأخطاء والاعتراف بها خلافيةً بهذا الشكل اللّافتِ إلّا في
عصرنا -بشكل عام- وفي مجتمعاتنا -بشكل خاص-، مع أنها قضية لا تفتقر إلى شحنِ أدلّةِ
إقناعٍ لإثبات أنّ البشرَ -بفطرتهم- لا بدّ لهم مِن أن يخُطِئوا. وَلَوْ حدثَ أنْ فكّرتَ
في جمع هذه الأدلة فستجد نفسَك تخوض معركةً وهمية لإثبات أن الشمس موجودة وهو ضرب
من الجنون.
ومَا
دعاني للَفْتِ النّظر إلى ضرورة الاعتراف الصريح بالأخطاء هو ادِّعاء بعضِ البشرِ أنّهم
لا يخطئون أبدًا سواء بلسان حالهم أو مقالِهم، بل هناك مَن يدافع عن هذا الاتجاه فيحرّم
ويعنّفُ مجرّد توجيه الخطأ لصنفٍ مِن النّاس. وهذه الأخيرة صورة بديعة من بدائع
عصر الريادة والصناعة: "مخطئ من البشر يدافع
عن مخطئ من البشر"، قد يعجز عن رسمها أرباب الفن التشكيلي...!!
ولتوضيح
المقصود إليك بهاتين الصورتين من واقعنا:
أمّا
الأولى:
فبعضُ
الناس حينما يخْطئ أمامك وتقابله بالحجج العقلية "البشرية" يكون جوابه –مدافعًا
عن نفسه!-: "البَشرُ يخطئون"، ظنًّا منه أنه جوابٌ واعتراف بالخطأ وقت
حدوثه، بينما هو في الحقيقة هروب من السّؤال. فكان ينبغي أن تكون صيغة الجواب قاطعة
بهذا الشّكل: "نعمْ أْخطأتُ!"، فهي صيغة اعتراف صريحة لا لُبس فيها، وكما
أنها هي المطلوبة وقتَ حدوث الواقعة. فلستَ تجدُ وسيلةً للبدء بتصحيح الأخطاء سوى الاعتراف
بها، وعدا ذاك فليستْ إلا مكابرة.
فَلَكَ
أن تلاحظ معي أنّ عبارات "مَن منّا لا يخطئ"، أو "البشر
يخطئون" أو ما شابهها حينما تُقال كَردّ فعلٍ في مقام التّخطئة ليستْ سوى عبارات
مطلقة لا تفيد الواقعةَ شيئًا ولا لإصلاح الأخطاء، إذْ يمكن تنزيلها على الجميع
مِنْ حيثُ (إمكان وقوع الخطأ) لا من حيث (حدوثه). ولَنْ تكون مخطئًا لو اعتبرت مثل
هذه العبارات ادّعاءً ضمنيًّا مِن المخطئ بأنه لا يخطئ أبدًا ولا يحبّ مَنْ يُخَطّئه
مع أنّه أعطى لنفسه –بقوته- كاملَ الحُرية في تخطئة غيره.
....
وإليك
بالصورة الثانية من واقعنا كذلك:
حينما
تواجه بعض الأشخاص وتناقشه عن خطأ "فلان من الناس" بقولك مثلًا: أليس هذا
الفلان من جملة البشر؟ فيأتيك جوابه الفوري: نعم! ثم تتعمق بسؤاله: وهل البشر
يخطئون؟ فسيكون جوابه -طبعًا-:نعم!
فلماذا
إذًا كل هاته المراوغات..؟ وماذا ينتظر ليعترف؟! فهل هذا (الفلان من البشر) الذي بَلغ
من العُمُر ما بلغ لم يخطئ -أبدًا- منذ ولادته إلى هذه الساعة، ولن يخطئ حتى يموتَ؟؟!!
ألا
ترى كيف أنّ الصورتين مشتركتان في أسلوب المراوغة في البحث عن الجواب والمسوّغات؟
فالسّائل يسأل عن "الوقوع" في الخطأ، بينما المجيب يجيب بصيغة "إمكان"
الوقوع. وبمعنى أوضح؛ سؤالنا لم يكن بصيغة "هل يخطئ هذا الفلان" لأنّه
خارج عن محل النزاع، وإنما سؤالنا هو: "هل أخطأ هذا الفلان"؛ فالفارق بينهما
كبير فَلْنَفْهَم ذلك.
...
فكونُنا
نعترف بأنَّ البشر كلّهم يخطئون دون تمييز؛ ألا يحق لنا أن نسأل: هَل يوجد مخلوق
بشري على وجه الأرض لم يخطئ بعدُ؟!!! والجوابُ: لا يوجد..
فلذلك
لا تخجل –أيها البشري- يا عبد الله- مِن أن تعترف بأخطائك إذا أردتَ إصلاحها، فأنتَ
من جملة البشر ولا بدّ لك أن تخطئ، وليس عندي أدنى شكّ بأنك ارتكبتَ الكثيرَ من الأخطاء،
وفي كل يوم جديد سترتكب أخطاء وأخطاء...فهذه هي طبيعة البشر. ومَن يدّعي خلاف ذلك -كأنْ
يعتقد بأن الخطأ ممنوع عليه أو أنّ تخطئته محرّمة وجريمةٌ- فإنّه يريد أن يشَابه
نفسَه بإلَـه، وهذا مزلق جدّ خَطِر نهايته معلومة...بل يعدّ مثل هذا الادعاء في عُرف
البشر ضربًا من الجنون والغباء، وفقدانا للحكمة والشهامة والأخلاق الفاضلة، ولا
سيما ونحن ندَّعي الآن أنَّنا في زمن التصنيع والرّيادة. أَوَلَيستْ أولى خطوات القيادة
والرّيادة بل من أهمها الاعتراف العلني بالأخطاء والتّعلم منها تربيةً للنّفس وللغَير؟
فليس للقِيادة أو الريادة معنى صالحًا سوى أنْ تكونَ قدوةً حسنةً.
والمقصود من
هذه العجالة ألّا نخْتَبِئ خلف ستار عبارات مطلقة كما مثّلنَا سَابقًا، تُقالُ كجمل
معترضة مطلقة لا تفيد شيئًا سوى تغطيةِ الأخطاء الشّخصية لتسويغ المزيد من الأخطاء
المؤدية إلى الإفساد. وبما أنّ البشر جميعهم مفطورون على الخطأ:
فمَنْ
يُعطي لنفسه الحقَّ في تخطئة غيره، أو:
مَن
يجرؤ على تخطئة الصحابة وأئمّة الدّين، أو:
مَن
يتجرأ –بكل وقاحة- على تخطئة أنبياء الله واتهام دين الإسلام بالتخلف والرجعية والقِدَم،
فيقَسّمون الدين إلى أقسامٍ وأنواعٍ ليستْ مِن دين الله؛ لتحويلِ الإسلامِ الذي
أنزله الله تعالى على محمّد بن عبد الله صلى الله عليه وسلّم من منهج حياةٍ ونجاة إلى
مجرد رموزٍ كمعابد اليهود والنصاري وعُبّاد الأوثان، وتحويل كتاب الله تعالى إلى
مجرد صفحات مزخرفة وأداة من أدوات التسلية والمسابقات؛ يفعلون ذلك لإبعاد الكتابِ
والسُّنّة عن الحياة الواقعية والعمَلية فتنتشر فوضى التحليل والتحريم والتحايل
على الشّرع، ويضعف التوحيد وتهتز الروابط الإيمانية، وتُمحى الهويّة الإسلامية النّقية،
وتستبدل بهويات مادّية -طريقها التفاخر والتنابز والتّهارش مَع أنّها من أمور
الجاهلية مِنَ الواجب تركها كَمَا أمرنا الشَّرعُ بذلك-؛ فينصبّ تركيزهم عَلى
المالِ والاقتصاد والشهرة –مدًّا وجزرًا- ليثبتوا للمسلمين خاصة وللعالم عامة أنّ التّمسك
بالدّين مرتبط ارتباطا عكسيا(!!؟؟) بمستوى التطور والازدهار والرّفاهية؛
...فمن يجرؤ على فعلِ مَا سبق ذِكره أو غير ذلك، فإنَّ لِغَيرهم كذلك الحقّ في تخطئتهم، فيلزمهم -شاؤُوا أمْ أبَوا- السّماع للنصح وتقبّل التخطئة بقطع النّظر عن المناصب والقُوّة والمسؤولية.
وليس يليقُ في مثل هذا المقام -مقام التّخطئة- لمن يريد الإصلاح سوى الاعتراف الفوري بالخطأ -كما بَيّنَّا سابقًا- ؛ فتقول بصَوت مسموعٍ: نَعم! أنا أُخطئ وقدْ أَخطأتُ...هكذا حرفيّا...
هَيَّا!
قُلْها ولا تخجل وإلّا...فأنتَ مكابر!
تعليقات
إرسال تعليق