بين الافتاء والافتراء

قال تعالى (وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۗ)؛ يؤخذ من مفهوم هذه الآية أنّك إذَا رأيتَ اليهودَ والنّصارى "أي: المشركين"، والدّولَ والمنظماتِ المعروفةَ بعدائها للإسلام، واشتُهِرت بحروبها ضدّ المسلمين راضِين عن مُسلمٍ كونه لا يعدّ خطرا يهدّد عقائدهم ولا مصالحهم ولا أطماعهم؛ فيعطونه الألقاب الفخمة والجوائز والأوصاف العالية، ويقدمونه في مجالسهم، حاكمين على إسلامه مَثلًا بــ"الاعتدال(؟)" أو بـــ"الصحة(؟)" فاعلم أنّ هذا المسلمَ في خَطَرٍ عظيم! إذْ كيف لهم أن يحكموا على المسلمين بـ"الاعتدال" أو بــ"صحة التزامهم" بدينهم وهم ليسُوا منا ونحن لَسنَا مِنهم؟ وانظر -رحمك الله-: فَحتَّى مَن تنزع الحجاب والسّتر عنها مِن المسلِمات يعدّونها معتدلة؟ ومن يوافق على شذوذهم فهو عندهم معتدل؟ ومن يوافق على الإجهاض فهو معتدل؟ ومن يوافق على التثقيف الجنسي(=خطوات الزنا) للأطفال فهو معتدل؟ ومن يوافق على حرية الإنجاب خارج إطار الزواج فهو معتدل؟ ومن يوافق على الزنا و"المواعدات" فهو معتدل؟ ومن يوافق على تفكيك الأسرة فهو معتدل؟ ومن يَسمح بالخمور ولحم الخنزير معتدل؟ ومن يستثمر في القمار والرّبا معتدل؟ ومن يفني عمره وأمواله خلف جنون كرة القدم معتدل؟ ومن يقيم الحفلات الراقصة معتدل؟ ومن ينزع عنه الستر في شواطئ البحار والتجمعات معتدل؟ ومن يهين اللغة العربية معتدل؟ ومن يتغني بالعنصرية والتمييز معتدل؟ ومن ينشر "أبراج الحظ" معتدل؟ ومن يجاهر بالفواحش وكبائر الذنوب فهو معتدل؟ فهذه بعض الأمثلة غير الخافية على الجميع والتي تُوضّح حقيقة "الاعتدال" و"الصحة" عندهم؛ أي يريدونك مسلمًا لكنْ "ليسَ مسلمًا"(؟)!! بمعنى يريدونك أن تترك مِن الدِّين كلَّ مَا يخالف أهواءَهم ويهدّد مصالحهم، ويقوّض مطامعهم، ويُضْعِف قِواهم، ويصادم ثقافاتهم، ويضادّ تعاملاتهم التي ليس لها حدود ولا موازين عَدلٍ سوى الاغترار بالمادة والقوة والطبقية الجاهلية. يفعلون كلّ ذلك بالمسلمين لأنهم يعلمون علم اليقين أنّ المستقبل لهذا الدينِ؛ الإسلامِ الذي جاءَ به محمد صلى الله عليه وسلم، وأنهم على دراية تامة أنّ تمسك أفراد المسلمين بكتاب ربهم وسُنّة نبيهم، وعودتهم إلى ربهم يهدّدُ استقرارَ عروشهم، وَيُعجل زوال امبراطورياتهم "الاستعمارية" المتوحشة الباطلة.

ثم لماذا يسلبون مِنّا حقّ انتقاد تصرفاتهم ومعتقداتهم، بينما نراهم –بالمقابل- ينتقدون المسلمين في تمسكهم بدينهم الحقّ؟! فمن أعطاهم حقّ الانتقاد؟! ومَن سمح لهم أن يـُملوا على المسلمين مَاذا ينفعهم في دينهم ودنياهم وآخرتهم؟

 وماذا يعني بالإسلام "المعتدل"، أو الإسلام "الصحيح"، أو...الإسلام "الجديد= أي تجديد الخطاب الدِّيني -هكذا من غير توضيح للمعنى الحقيقي-"؟، " أو الإسلام "السياسي"؟!

فهل هناك إسلام "غير معتدل"، أو إسلام "غير صحيح"، أو...إسلام "قديم" عفا عنه الزمن، أو إسلام "غير سياسي"؟!!

أيّها العقلاء!

إنّ دِين الإسلام كاملٌ لا يتجزأ؛ فهو جميعه "دين" و"شريعة"، لا يمكن تجزءته -مثلًا- إلى شيءٍ "ديني" و"غير ديني". فــــكلمة "الدّين" معناها: "الطاعة والانقياد"؛ فهل يعني من ذلك أنّ أصحاب هذه التقاسيم ومن يحوم حولها يريدون طاعةَ الله تعالى في بعضِ أُمور الإسْلام التي أُعطيتْ وَصْفَ "الدّين"، ويَعصُونه في الأمورٍ المنزوعةِ عنها هذا الوصف "الدّيني"؟!!

فأين عثروا على مثل هذه التقاسيم؟!!

ألم يقل الله تعالى: (إنَّ الدّين عندَ الله الإسلام)، وقال تعالى: (ٱلۡیَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِینَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَیۡكُمۡ نِعۡمَتِی وَرَضِیتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَـٰمَ دِینࣰاۚ) وقال تعالى: (إنِ الحكم إلّا لله أَمَر ألا تعبدوا إلا إيّاه ذلك الدّين القيّم ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون)؛ قال السعدي في "تفسيره": " هو الذي يأمر وينهى، ويشرع الشرائع، ويسنّ الأحكام"، وقال تعالى (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السِّلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين)، قال السعدي:"في جميع شرائع الدين، ولا يتركوا منها شيئًا، وأن لا يكونوا ممن اتخذ إلهه هواه، إن وافق الأمر المشروع هواه فعله، وإن خالفه، تركه، بل الواجب أن يكون الهوى، تَبَعًا للدين". ولما كان الأمر كذلك؛ فإنَّ هذا الدّين الحنيف "=الإسلام" لا يُؤخذ إلا من الكتاب والسّنّة الصّحيحة، وأمّا الفهم فلا ينبغي أن يخرج عن فهم الأوَّلين الذين عاينوا نزول الوحيين؛ فهم أهلُ اللغَة والعِلمِ والعَمَل، وهم خير الناس الذين أخبرنا عنهم صلى الله عليه وسلم، قال صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ تَسْبِقُ شَهادَةُ أحَدِهِمْ يَمِينَهُ، ويَمِينُهُ شَهادَتَهُ"، وقال صلى الله عليه وسلم: " قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ، فإنَّه مَن يَعِشْ منكم فسيَرَى اختِلافًا كثيرًا، فعليكم بسُنَّتي وسُنَّةِ الخُلَفاءِ الرَّاشِدينَ المَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عليها بالنَّواجِذِ، وإيَّاكم ومُحدَثاتِ الأُمورِ؛ فإنَّ كُلَّ بِدعةٍ ضَلالةٌ"؛ فلا فصل في الشرع-إذًا- بين ما يُسَمّى بـ"السياسة العصرية أي: عِلم أنظمة حُكم الدُّول" عن غيرها من الأنظمة والقوانين والأحكام، ولا فصل بين أحكام "الاقتصاد" عن غيره، ولا أحكام "السياحة" عن غيرها، ولا "الثقافة" عن غيرها، ولا "الصناعة" عن غيرها، وغير ذلك.

فحتى في مسألة الغلو في "الدِّين" فإنَّ الشرع لم يُقسّم الإسلام إلى أنواع وإنّما حّذر مِن الغلو في الدّين ذاته؛ قال صلى الله عليه وسلم: "إيَّاكم والغلوَّ في الدِّين، فإنَّما أَهلَكَ من كان قبلَكمُ الغلوُّ في الدِّينِ"؛ والغلو مجاوزة الحد؛ وذلك باختراع أشياء ليست مِن الدّين سواء تعلق الأمر في مسائل الاعتقاد أو العبادات، فَمِثل هذا الفعل مردود كما قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم " مَن أَحْدَثَ في أَمْرِنَا هذا ما ليسَ فِيهِ (أو: منه)، فَهو رَدٌّ". أي أنَّ المسألة قائمة على التّسديد والمقاربة فيما هو مشروع؛ قال تعالى: (فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُمۡ)، وقال تعالى (وَمَاۤ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُوا۟ۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِیدُ ٱلۡعِقَابِ)، وقال صلى الله عليه وسلم: "إِذَا نَهَيْتُكُمْ عن شيءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وإذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا منه ما اسْتَطَعْتُمْ". فالسَّلامة كُلُّها -إذًا- في اتِّباع الكِتاب والسّنة على فَهم خيرِ النّاس ومَن سَار على نهجهم، ليسَ اختراع المزيد من المصطلحات الموهمة وفَصل الدّين إلى أجزاء، ومِنْ ثُمّ إخراج مِنَ الدِّين مَا هُو مِنه، أو إدخال فيهِ مَا ليسَ منه، فكلُّ ذلك داخلٌ في الإحداث المذموم الذي حذَّرنا منه صلى الله عليه وسلّم.

والمقصودُ أنّه ما من شيء يستجدّ مِن أمور الدّنيا إلّا وينبغي أن يحاط بهذا الميزان الشرعي؛ الكتاب والسّنة وفق فَهم خير القرون؛ ليستقيمَ العَملُ وتتحقّقَ العبودية المطلقة لله تعالى. فديننا "الإسلام" -والمختوم برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم- هو منهج حياة صالح لكل زمان ومكان إلى أن يرث الله الأرض ومَنْ عليها. إلَّا أنّ بعضَ مَن يتَّبع هواه لَـمّا يرى استحالة مَحْوِ تلك النصوص أو تحريف معانيها الظاهرة يلجؤون إلى استعمال أسلوب المفتين العارفين ولغة الأطباء المتخصصين، فيذيعون للنّاس هذا الفَصلَ في شريعة الإسلام بقوالب مُغرية ومُنَفّرة في ذات الوقت لاستمالةِ القُلوبِ تمهيدًا للفَصل النِّهائي؛ فَيتحقّقُ لهم بذلك إخراجُ مِن شريعة الإسلام مَا هُو منها، وإدخالُ فِيها ما ليس منها!

والسُّؤال هنا: مَن المستفيد مِن ذلك كُلِّهِ؟ فهل المسلمون أصحاب هذا الدّين الحق الكامل؟! أم مَن؟!

والجواب لا يحتاج إلى كبير جهد، فانظر فقط إلى تفاعل أعداء الإسلام وأعداء المسلمين مع مثل هذه المصطلحات (إسلام معتدل؛ وإسلام غير سياسي؛ وإسلام صحيح؛ وإسلام جديد="خطاب") وأضدادها، وبالنّظر كذلك إلى القَبول الذي يحظَى به عندَهم كُلُّ مَن يُسَوّق مثل هذه التقاسيم وينشر مصطلحاتهم ومفاهيمهم فسَتعلَم أنّ الأمر مدبّر في وضح النّهار لإبعاد المسلمين عن حقيقة دينهم الحنيف؛ فيزرعون في أنفسهم عقدة النَّقص، مُوهمين النّاسَ أنّ دين الإسلام يقفُ –في نظرهم!- حاجزًا أمام "السّلام العالمي" و"التطور" و"المساواة" و"التنوع والشمولية" و"الأخوة الإنسانية" و"الحب العالمي" و"حقوق المرأة والطفل" ووحدة "التجارة العالمية" وأنّ اللغةَ العربية لغةُ الضعفاء والمتخلفين، وما إلى ذلك من المصطلحات الرنانة، والتي يؤطرونها وَفق عقولهم القاصرة وثقافاتهم الشاذة ومفاهيمهم الماكرة لتمرير مخططاتهم المدمّرة للفرد والأسرة والمجتمع.

ولعلّ هذا الأمر الذي نعاينه ليس إلا إرهاصات لما سيأتي؛ ألـم يخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّ مِن عَلامات الساعة رفع العلم وفشو الجهل؟! قال صلى الله عليه وسلم: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى يُقْبَضَ العِلْمُ، وتَكْثُرَ الزَّلَازِلُ، ويَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وتَظْهَرَ الفِتَنُ، ويَكْثُرَ الهَرْجُ - وهو القَتْلُ القَتْلُ - حتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ المَالُ فَيَفِيضَ"، وقال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ أَيَّامًا يُرْفَعُ فِيهَا الْعِلْمُ، وَيَنْزِلُ فِيهَا الْجَهْلُ، وَيَكْثُرُ فِيهَا الْهَرْجُ"، وقال صلى الله عليه وسلم: " إنَّ اللهَ لا يقبضُ العلمَ انتزاعًا ينتزعُهُ منَ النَّاسِ، ولَكن يقبضُ العلمَ بقبضِ العُلماءِ، حتَّى إذا لم يترُك عالمًا اتَّخذَ النَّاسُ رؤوسًا جُهَّالًا، فسُئلوا فأفتوا بغيرِ عِلمٍ فضلُّوا وأضلُّوا ". فالناس في أمر الفتوى على ثلاثة أصناف؛ إمّا أن يَعلمَ الحقَّ ويُفتي به، أوْ لا يعلم فيُفتي بغير عِلمٍ، أو يعلم الحقَّ ويفتي بخلافه.

فالأوّل هو الشّرعي والطائع الذي يدور أجره بين الأجر والأجرين، وأمّا الثاني والثالث فهما من جِنسِ التّقول على الله ورسوله، وهو داخل -لا ريب- في الافتراء على الله، وهو من الظلم الكبير؛ قال تعالى: (ومَن أظلَمُ ممّن افترى على الله كَذِبًا)، ويقول النبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم: " إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ ليسَ كَكَذِبٍ علَى أَحَدٍ، مَن كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ".

ومع العلم بما سبق فلا تستغرب بعدُ أن تظهر مثل هذه التقسيمات الباطلة، لأنّ كُلَّ صِنفٍ من أصحاب الهوى يسعى لتفصيل "إسلامٍ!" على مقاييسه، وبما يجعلُه الأوّلَ في هذا العالم المادي المتناقض، والمقدّمَ في أعين أعداء المسلمين من يهود ونصارى وعباد الأوثان الذين خطفوا مِنّا في هذا الزمان رايةَ التّطور والتّقدم حينما تَنَكّرنا -نحن- للُغَتِنا ولأسلافنا، وأصابتنا الغفلةُ وركنّا إلى الدّنيا ومتاعها، حتى صَارَ مَن يتحرّى الحلالَ يُعدّ غريبا بين أهله، فضلًا عن مجتمعه، فضلًا عن العالم بأسره.

ثمّ انظر كذلك إلى هذه المفارقة: فأعداء الإسلام وأهل الباطل مع كونهم على باطل إلا أنهم يفتخرون كونهم يهودًا ونصارى، ويتباهون بعبادتهم الحجارة والأبقار والحيوانات والنار والأوثان، ويفتخرون بعظمائهم الفجرة القتلة، ويتبجحون بالمجاهرة بالفجور والشذوذ والفواحش، ويحاولون إلزام العالم أجمع بذلك بما في ذلك مجتمعات المسلمين؛ بينَما المسلم الذي يحمل الحقّ والتوحيد الخالص والصّفاء والنّقاء والميزان الإلهي الحقّ (الوحيين) تجده يمشي بكل استحياء خلف تلك الأقوام حذو القُذّة بالقذة، يسعى للتبديل والتحريف والتحايل طمعًا في الاقتراب منهم عَلّه يفوز بشيء مما لديهم، بَدَلًا مِن أن يحدُث العكس كوننا مطالَبين بالدعوة إلى الله تعالى، قال تعالى: "كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم". ولعلّ الحجة كما –نسمع من الكثيرين- أنّ مسائل التطور والتصنيع والريادة والعلم المادي والقوة العسكرية (=صناعة الحروب والسّلام(؟)) في هذا الزمان ليست في قبضة المسلمين، ولو لم نفعل ذلك فسنظل ضعفاء متخلفين لا أحد ينظر إلينا، ولا يمكننا بذلك الاستفادة مما لديهم...وغير ذلك!

فَلَنَا إذًا أن نسأل: طالما هم على باطل؛ فلماذا لا يحدث العكس -منهم-؟! ألسنا أمّة توحيدٍ ودعوةٍ مَيّزَها الله تعالى عن سائر الأمم؟

ثمّ ماذا ينقصنا –نحن المسلمين- من القوة ومَعَنا ربُّ العزة وكتابه العظيم وسُنّة نبيّه الصّافية حتَّى نركضَ خَلفهم في الخير والشر؟! فهل فقدنا الثقة بربِّنا -سبحانه- وبوُعُودِه -جَلّ وعَلا-؟!

أَوَلَا تسعنا الموازنة بين التمسك بِلُغَتِنا العَربيّة، وبِديننا –توحيدًا بمقتضياته، وأحكامًا، وأخلاقًا- تسديدًا ومقاربةً- وبين التعلّم والتطور كما كان أسلافنا العظماء؟ الذين كانوا أرباب اللغة والريادة والقيادة والعلوم، وأصحاب مدارس؛ الذين أبهروا العالـم بقيادتهم وأخلاقهم وعَدْلهم وذكائهم وعلومهم وصبرهم ورحمتهم فدخل الناس في دين الله أفواجا!

أوليس الغرب هو مَن اقتبس جُلّ علومه مِن أسلافنا؟!

إذًا...فقد ظهر جليًّا أنّ مَن يتحجَّج بأنّ التّمسك بالكتاب والسّنّة والرّجوع إلى الله، "بإقامة دينه، وإحلال الحلال وتحريم الحرام على مراد الله ورسوله، وتحقيق مقتضيات كلمة التوحيد "لا إله إلا الله محمّد رسول الله" على أرض الواقع، وإعادة مجد اللغة العربية" يعارض الاستقرار والتطّور حجةٌّ باطلة باطلة باطلة. فالإسلام هو دين الفطرة والتوحيد الخالص والرّحمة والعفة والطهارة والشجاعة والأخلاق الفاضلة والأمن والأمان في الدنيا والآخرة، وبه يتحقق العدل والتوازن والتطور السليم والمستمر في مجالات الحياة كُلِّها؛ وعلى ذلك يحقّ لنا أن نسأل:

لماذا -إذًا- يتنكّر بعض المسلمين–اليوم- لأسلافهم الصادقين، وينقلبون عليهم وعلى لغتهم العربية العالية ومدارسِهم الصالحة الشامخة؟!

وما هي الدواعي الحقيقية التي تجعل البعض يظهر بمظهر الـمُسْتَدْرِك على الشَّرعِ فيفتح أبوابَ اختراعِ "دينٍ" يتعدّد بتعدّد الأهواء، والمقاييس العقلية والغربية الاستعمارية والثقافية العالمية؟!! فما هي هذه الدّواعي الحقيقية - والغائبة عن أنظارنا- حتى تُبْذَلَ مِن أجلها أموالٌ وأوقاتٌ في التّبديل والتحريف والتحايل والإفساد والافتراء؟!  

سؤال وجيه...وأما جوابه فأتركه للناظر...

 

" وَالْعَصْرِ، إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ"

تعليقات

الأكثر قراءة

touch wood , cross finger, Jesus (Christ!)...

مناقشة هادئة: السّبتُ بين صيامه قصدًا وصيامِه تبعًا

البرّ لا يبلى.. والإثم لا يُنسى والديان لا يموت.. فكن كما شئت (كما تَدين تُدان)