أيها الزوج المتعلِّم! منذ متى صار جهل زوجتك عيبًا؟

 

إنّ النّاظرَ فِي مقاصدِ شَرْعنا الحنيف يجده دائم الترغّيب في البناء الذي لا يعارض الطبيعة البشرية أفرادا ومجتمعات، فيزيل جميع العوائق -التي قد تصرف البشر عن النهوض بواجباتهم والمطالبة بحقوقهم- بأساليب منضبطة تحافظ على تماسك البناء تماسكا يشدّ بعضه بعضًا.

ولكنْ! لما ثقلتْ تكاليف المعيشة في هذا الزمان، واختلَط الحق بالباطل في كل مكان، لجأ الكثير من النّاس عوامهم والشّواذ مِنْ خواصهم إلى التنقيب في دلائل الشرع –بطرق ملتوية، وأساليب مهترية- باحثين عما يظنونه قد يجلب لهم الآمال ويجلي عنهم الآلام؛ فتراهم يعرضون الأدلة على أحوالهم، فما وافقت أغراضهم أخذوا بها ومَا لَا تتفق أعْرضُوا عنْها بل شككوا في صحتها وألغَوا حجيتها.ففَشا الجهل، واستفحل الظلم وعادتْ بعض أشكال الجاهلية الأولى التي حاربها الإسلام إلى الظهور تنخر مجتمعاتنا، وتهدم بيوتنا؛ أذكر من ذلك ما هو متعلق بهذا الموضوع -ولوْ مِنْ بعيد-:

- حرمان البنات من الميراث؛ فمع أن الله تعالى قد جعل لهن سبيلاً إلى تركة ميِّتها إلاّ أن هذا الصنف من الناس أبى إلا مواقعة الحرام الصريح من أوسع أبوابه.

- عدم التعرُّف على البنت بعد زواجها وإنْ لَمْ تجد شيئا تُفرِّج به جَوعةَ أطفالها وتطفئ غُلتهم...

- تطليق المرأة أو سوء معاملتها بسبب إنجاب سلسلة بنات، ولا يلحظون بناتهم إلا شزرًا؛ كأنّ على أبصارهم غشاوة حالتْ دون قراءتهم قوله تعالى (يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور)...

- حرمانها من إبداءِ رأيها في الزَّواج حيث صار بعض أولياء الأمور يستعذبون تعذيب بناتهم مقابل قضاء مآرب خاصة.

- نشر سياسة العيب في الطلاق أيْ أنَّ الطلاق استحال سببًا مباشرًا في تعذّر زواج المطلقات.

فَلَمْ يبقَ لهم سوى البحثِ عمّا يخوّل لهم دفنها حيّة كما كانت تفعل العرب في الجاهلية الأولى، ولكنْ! هيهات ثم هيهات...

وإذا ما تصدّى لهم عالِمٌ بالشّرع عامِلٌ بطريقة سلفنا الصالح اتهموه بالتطرف، ونبزوه بالتشدّد، ووصموه بأسمج الأوصاف وأقبح الألقاب؛ فَيُصْدرون عليه حُكمًا بالإقامة الجبرية مع وقف التنفيذ بطريقة همجية؛ فيعتزلونه، ويحرّضون الناس على ذلك، بل ويؤلبونهم عليه، وكأنه أحد أفراد الغزاة المعتدين على مجتمعاتهم؛ غير آبهين بآثار أفعالهم، وأنه َلا خير في مجتمع يعزل علماءه، ويسخر من كبرائه!!

وليس الغرابة أن تأتيك مثل هذه الأمور ممّن غُرّر بهم من العوام، أو ممِنْ يتولى كبرها من أدعياء العلم بِالسُّنّة؛ بل الغرابة أن ترى هذه العدوى تتغلغل شيئا فشيئا إلى بعض من يرفع أعلام السنة على فهم سلف الأمة؛ وأقصد بذلك المتحمسين من الطلبة والمتغطرسين من الأساتذة الذين كشروا عن جثثٍ عارية عن الخلال الرفيعة.

ومن الأمور التي نشرها بعض من ذكرتُ اشتراطُهم للزواج شروطا إضافية غير التي اشترطها شرعنا الحكيم. ويا ليتها تلتقي ومقاصدَ الشرع كاشتراط تسجيل العقود لدى الدوائر الرسمية المختصة، وذلك محافظة على الحقوق في زمنٍ قلّ فيه الصدق، وعزّ فيه الورع.

فبعض هؤلاء يشترط أن تكون الفتاة المطلوبة مُدرّسة أو طبيبة أو غير ذلك؛ ومقصودهم أن يأتيها مرتّب شهري تعينه على تحمّل تكاليف المعيشة على حدّ الزعم! وإذا ما تزوج –أحدهم!- من فتاة ذات دين آثرت تعلم مهنة خدمة الزوج، وتحمّل أعباء تربية الأولاد، عاقبها بهدم بيتها معتذرًا أنّ بها عيبًا يحول دون مواصلة هذا البناء!

فلننظر بعين الإنصاف والرحمة كيف أضحت مثل هذه الشروط من أعقد مسائل البناء، ومن أتفه وسائل الهدم.

وهنا أجدني أسأل هؤلاء:

متى –أيها الزوج المتعلم!- كان جهل زوجتك بالعلوم الدنيوية عيبا في الزواج أو سببا في الطلاق؟!

ومتى كان خروجها من بيتها شرطا أو سَببا في الهَدْم والبناء؟!

ألا يكفيك أنها تعْمَل بما تتعلّم من أمور دينها؟!

ألا يكفيك أنها تقاسمك همومك، وتتجشَّم عنك جزْءًا قد لا يقلّ أهمية عن الذي تتحمّله أنتَ ؟!

أفلا وكّلتَ –أيها الزوج المتعلم!- أمور الرّزق إلى خالقك الذي أعطاك مفاتيح الفرج؛ قال تعالى :

(وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها نحن نرزقك والعاقبة للتقوى)، (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من خيث لا يحتسب).

لَيْتك – أيها الزوج المتعلم!- بقيت على جهلك، وثبتّ على عُرْفك، كُلّ ذلك ضَنًّا بمجتمعك من الضّياع، وحرصًا عليه من الانفكاك. ولستُ –بهذا الكلام- أعارضُ عمل المرأة ضمن الضوابط الشرعية المعروفة، ولست أعادي رغبة الأزواج في البحث عن امرأة "موظفة"، ولكنْ ليس يحسن بنا ونحن نؤمن بالله ربًّا وبمحمّد نبيًّا وبالإسلام دينًا أنّ نشترط شروطًا أضحتْ معاول تهدم بيوتًا وتؤيم نساءً وتشرد أطفالاً! فـَ(لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير).

وصدَقَ من قال: لو عمل الناس بهذا الحديث لسقطتْ جلّ الخلافات التي بينهم؛ فلو يعامِل أحدنا الآخر بما يحب أن يعامَل بِه:

فلن يضيّع الولد حق أبيه،

ولن يضيع الأب حق ابنته،

ولن يضيّع الزوج حق زوجته،

ولن يضيع الطالب حق أستاذه،

ولن يضيّع العالم حقّ أخيه العالم ولا حق مجتمعه،

....ولن....ولن...ولن...

وربنا جلّ في علاه يقول:

(إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها)

والله الهادي وهو حسْبنا..

تعليقات