هل رهاب الشذوذ الجنسي (homophobia) واقعي

 

الحمدُ لله ربِّ العالـمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد؛ فإنَّ موضوع (الشّذوذ الجنسي) والتفشي المتسارع لظاهرته في العالـم بما في ذلك المجتمعات الـمُسلمَة يُعدّ من القضايا الواجب إفراغ الأوقات في معالجتها مِن قِبَل جهات الاختصاص وذوي القدرة على التغيير بشتى الوسائل الشّرعية والعِلمية المتاحة، لِـمَا لهذا الأمر مِن الأثر السلبي على حياة الفرد والأسرة والمجتمع. فليس مِن الحِكمة تجاهل هذه الظاهرة، فتُحَوَّل مسائلها إلى مجرد صراعات (القيل والقال) وإصدار الأحكام والكلّ غاضّ الطّرف، لسان حالهم (لا شأني لي)، بدلّا مِنَ القِيام بمسؤولياتهم التي سيسألون عنها أمام ربِّ العَالمين مِنْ محاولةِ الاجتماع والفهم السليم والبحث الجدِّيّ وإيجاد العلاج الصارم الذي يقي الأفراد والمجتمعات.

فما نراه يحدُثُ اليوم في مجتمعات الغرب مِن تخبطٍ وعجز وقبولٍ لهذه الظاهرة والتعايش معها لـَهُوَ أمرٌ منذر بعواقب وخيمة. ولا سيما أنّ الأمرَ تحوّلَ إلى المجاهرة وفَرضِ هذا القبول مِن خلال اختراعِ مصطلحات جذَّابة وفضفاضة كـ (رُهاب الشذوذ الجنسي) (homophobia) ليشعروك بالنّقص فتتقبل الموضوع وإلا اعتبروك من الظالمين! ومصطلح (التنوع والشمولية) (diversity and inclusivity) وذلك بإقحام (الهوية الجنسية) وبعض الثقافات الشاذة كالمواعدات والإنجاب خارج إطار الزواج وغير ذلك، وهي لا تخرج عن كونها خطوات شيطانية لفتح أبواب الفواحش والمنكرات ومعاقرتها بالقانون. وقد حذّرنا ربُّنَا تعالى بقوله:(يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ۚ ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر).

ثمّ اتخذَ هذا الأمر مسارًا أبعد من ذلك حيث ربطوا مثل هذه المصطلحات المغلوطة بتقَدّم الدّول وتصنيف المجتمعات والشركات والمؤسسات، والفَوزِ بالجوائزِ والمسَابقَات والفعاليات؛ بل صار المسلمُ الذي يعيش في مجتمعاتهم ليس لديه خيار سوى التقبّل والتعايش!! بل المجاهرة بالتشجيع!! وإلَّا ربما تُسحب منه جميع الامتيازات الاقتصادية والاجتماعية التي يتمتع بها والتي رحل من أَجلها. والأسوأ من ذلك أن البعض منهم لـما يرجع إلى بلاد المسلمين يرجع حاملًا معه هذه الثقافات بإطلاقاتها من غير قيد شرعي ولا حتى أخلاقي.

فهكذا يُرَبَّوْن أبناءُ وبناتُ المسلمين في مجتمعات الغرب وأعداء الإسلام الذين لن يهدأ لهم بال حتى يُبعدُوا المسلمين عن كِتَابهم ودِينهم سواء بالارتداد أو بالتلبيس؛ فيفتحون لهم أبواب الهجرة والعمل والدّراسة والسياسة، ويدمجونهم في مجتماعاتهم اندِمَاجًا كليّا كاندماج البذرة في التراب، ثمّ يسقون هذه البذور بثقافاتهم الشاذة وأفكارهم المادية المحضة المسماة زورًا بــ(الحضارة)، ثم يحصدون هذه الثّمار في مجتمعات المسلمين، بمعنى أنهم قد نجَحُوا في تحويل هذا الصّنف من أبناء المسلمين بطريقة غير مباشرة إلى جُنودٍ يغزون بهم مجتمعات المسلمين ثَقافيّا وفكريّا وعقائديّا.

ويا فرحة إبليس وجنوده! حينما تأتي تلك السّاعة التي يَظهرُ فيها بعضُ دُعاة العلمِ والإصلاح ممَن اعتادوا البحثَ عن مُسَوِّغات الفساد باسمِ (المصالح) ومن باب (المسكوت عنه) فيسوِّغون مثل هذه الفواحش والمنكرات بطرق ملتوية كعادتهم.

فلْنحذَر مِن ذلك ونُحَذِّر ونتَذَكّر قول ربِّنا تَعالى: (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون  وقوله تعالى: (وإذا أرَدنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا).

 

و لتسهيل القراءة والمناقشة مع النفس سأتطرق لهذا الموضوع على شكل نقاط:

1.   هناك فرق شاسع بَين (الاعتراف بالوجود) و(المشروعية)، فحينما تعترف (بوجود الشذوذ الجنسي) لا يعني من ذلك (الاعتراف بمشروعيته)، لأنك حينما تعترف بوجوده فإنك تعترف به كداءٍ خَطِرٍ له وجود حقيقي في المجتمعات، لا مجرّد فعلٍ يخضَعُ للحُرّية الشّخصية. والغرض من ذلك مواجهة هذا المرض ومحاربة الداعين للشذوذ، ومساعدة مَنْ تَلبّسَ بِه ممن يبحث عن مخارج آمنة له في الدنيا والآخرة.

2.   فالتجاهل والتعنيف -ابتداءً- في حقّ من أراد الرجوع إلى الفطرة السليمة-لا يُجديان نفعًا، ولا سيما مع عِلْمِنا أنّ أبواب التوبة -لمن أراد- مفتوحة للجميع وأن ربُّنا تعالى لم يُنزل داء إلا وأنزل له شفاء كما جاء في الحديث الصحيح. فالمريض بـ(الشذوذ الجنسي) الذي يَستفتي أو يشتكِي حالَه باحثًا عن العلاج فإنّه في الواقع سالك لطريق التوبة، وهي أولى خطوات العلاج النافع. فأمثال هؤلاء الباحثين عن مخارج ينبغي –بلا خجل- احتواؤهم ومساعدتهم بشتى الوسائل لإخراجهم من دوامة الشرّ الفِكريِّ والنفسيِّ التي وقعوا فيها وظهرت آثاره عَلَنًا.

3.   وأقول هنا (دوامة الشر الفكري والنفسي) لأنّنا حينما نتكلم عن (الشذوذ الجنسي) فإنّنا نتكلم عنه من جهة الفِكر والنفس لا من جهة الخِلقة، لأنّ أيَّ خلل عضوي فمحلّه الطّب البشري العضوي، وما سوى ذلك فهو متعلق بالفِكر والنّفس.

4.   ففي الحقيقة وفي مسألة الشوّاذ فلا وجود لأي مشكلة في بُنية الذّكر أو الأنثى، فالذكر الشاذ يرى الذّكر ذكرًا والأنثى كذلك ترى الأنثى أنثى، وإنما المشكلة في التفكير والتهيئات المغلوطة التي غطَّت فطرة الإنسان السليمة.

5.   فَمِن الفطرة السّلِيمة أنّ الله تعالى قد خلق الذكر والأنثى لاستمرار البشرية، فلا وجود لسبُلٍ أخرى غير هذا السبيل لضمان هذه الاستمرارية وإلا فالمصير الانقراض.

6.   فلذلك ، فإنّ ظاهرة الشذوذ -ابتداءً- لـم تكن مقبولة في نظر المجتمعات والعقلاء، وإنما زاد الاعتراف بها عَلَنًا في عصرنا الحديث، لعدة أسباب:

منها: فشلُ الطب النفسي (المستورد) الذي لا يعتمد إلا على العقل في معالجة الاضطرابات النفسية بما في ذلك الكثير من أسباب الشذوذ، حيث أزاح هذا النوعُ من العلمِ الدّينَ (=بالنسبة لنا الإسلام والذي هو فطرة الناس).

ومن ذلك: قوة نفوذ الإعلام العصري بجميع أنواعه الذي ساهم في النشر والضغط والقبول.

ومن ذلك: أطماع أعداء الإسلام في غزو المجتماعات المسلمة ثقافيا وفكريا ليبعدوها عن دينها مثلما فعلوا بموضوعهم المسمّى -كذبا وزورا- "تحرير المرأة".

7.   ولكوننا مسلمين فإنَّنَا ننظر دائمًا بنظرة مختلفة عن غيرنا لأننا نحمل الدّين الحق عند الله تعالى، ولدينا كتابه وسُنّةِ نبيه صلى الله عليه وسلم اللذان هما منهج حياة ونجاة. ولذلك فإنَّ النظر في أيّ اضطراب نفسيّ كالشذوذ الجنسي فلا ينبغي فصلُه عن الفطرة وهي: الإسلام. لأنَّ الله تعالى هو خالق هذه النفس التّي أودع فيها مِنَ الأسرار ما لا يعلم حقيقتها إلا خالقها.

8.   فلو أزاح الطب النفسي الفطرةَ ونصوصَ الشريعة وقِيَمَها وثوابِتَها فكيف السبيل إلى علاج الشذوذ أو الاضطراب النفسي فيما لو كان سببه سحرًا ومسّا من الجن؟! فنحن المسلمين لدينا ما يثبت حقيقة هذه الأشياء وتأثيرها السلبي على عقلية ونفسية العباد، ولدينا كذلك ما يثبت أنّ كلام الله فيه رحمة وشفاء.

9.   نعم هناك بعض الأسباب الحسية التي تحفزّ موضوع  الشذوذ الجنسي كتعرّض الشّخص للاغتصاب أو إهمالٍ في التنشئة ولا معالج وقتَ حدود التغير الفطري حتى تفاقم الأمر وخرج عن السيطرة.

   10. ففي هذه الحالة والتي قبلها فبالإمكان الجمع بين تقنيات الطبّ النفسي والعلاج بالقرآن والأذكار والأدعية والأعمال الصالحة والتقرب إلى الله تعالى. فقد تعملُ تقنيات الطّبّ النّفسي على مساعدة الشخص المريض على تفريغ بعض العوائق المتعلقة في شخصيته والتحرر منها حتى يرى الحقيقة، ومِن ثُمّ يكون مهيّئًا لقَبول العلاج.

11.                      وبالجملة فهذه بعض الخطوات التي أراها تساعد المريض الجاد في بحثه عن التغيير الإيجابي:

·       الابتعاد فورًا عن كل شيءٍ قديمٍ بما في ذلك أصحاب السوء، وفتحُ صفحة جديدة مع النفس. فإذا حُمِلت النفس على تَرك الأمور التي تُفعل أثناء الشذوذ فسترجع الفطرة السليمة تدريجيا. لأن الأصل في الإنسان اعتدال فطرته.

·       التعامل مَع طبيبٍ نفسيّ موثوق خبير في مشاكل الشذوذ للمساعدة في التحليل والفهم وتقبل العلاج؛ فقد يساعدُ المريضَ على الخروج من دوامة التخيلات والأفكار المغلوطة، ويساعده أيضًا على تمييز شخصيته الحقيقية من الخيالية التي كانت تعيش في تلك الدوامة.

·       الإكثار من الأذكار واستحضار الخوف من الله والطمأنينة به، وقراءة القرآن والمحافظة على الصلاة، وفَهْمُ أسماء الله الحسنى وصفاته. ففعل هذه الأشياء تُقَوِّى إيمان العبد وتعينه على المعالجة واسترداد الثقة والثبات. فإن الله تعالى يحب عباده الأوابين.

·       مواصلة مراقبة النفس وحملها على تقبل العلاج، لإعادة برمجة الشّعور والعودة بالتفكير إلى ما كان عليه قبل حدوث الواقعة.

والخلاصة أنَّ موضوع (الشذوذ الجنسي) في غاية الأهمية والحساسية، فلا يمكن علاجه بدعوى (الحرية الشخصية) وتَقَبّل المصطلحات المغلوطة الغريبة كــ (Homophobia)  وغيرها، بل أرى من الواجب شرعًا تكاثف جهود جميع جهات ذوي الاختصاص -بكل حكمة و"حزم"- بما في ذلك الطبّ النّفسي المتّزن والموثوق -الذي لا يهمل الفطرة ولا الشرع الحنيف-، وعلماء الشريعة والجهات الأكاديمية التي تُعْنَى بالبحث والتطوير والتحليل، وكذا المؤسسات الرسمية للعمل ضمن مخططات علاجية حازمة ذات أهداف مدروسة تستأصل هذا الداء مِن جذوره لتحميَ الأمّة أفرادًا ومجتمعات.

فإنَّ ربَّنَا تعالى يقول: (وتعاونوا على البِرّ والتّقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان).

...فــــ (كلّكم راعٍ وكلّكم مسؤول عن رعيته)


تعليقات

الأكثر قراءة

عادات...تقاليد...موروث قديم...