التنوع والشمولية في الميزان (inclusivity and diversity)


في كلِّ يومٍ يطلّ علينا هذا الزمن العجيب بمصطلحات جديدة بَعضُها عامّ وآخر يخصّ مجالا معينّا. فالذي يهمّنا في مِثلِ هذه المسائل ليسَ المصطلحات مِن حيثُ وجودُها، وإنما من حيث فهمها وتنزيلها على أرض الواقع وضبطها بميزان الشّرع كوننا مسلمين.

ولأنَّنَا مسلمون فينبغي علينا دائما حينما نتكلم عن القضايا التي تمسّ إيماننا وقيمنا وأخلاقنا أن نتكلّمَ فِيها ليسَ مِن جهة كوننا بشرا فحسب كما يريد البعض، بل نتكلم فيها كوننا بشرًا ومسلمين، فلا ينبغي للمسلمِ أن يتجاهلَ هذا الأمر البتة في جميع القضايا العامة والخاصة حتى لا تصيبه الغفلة والغرور بالدنيا فيحيد عن الصراط المستقيم. فكما هو معلوم؛ إنّ الغرب ومن سار على نهجهم هُم الذين أزاحوا الدِّين، وصَارُوا ينظرون إلى الأشياء بنظرة مادية محضة، مدّعين اهتمامهم بالبشرية والإنسانية مع أن جرائمهم ضد الإنسانية لا تزال محفورة، ولا نزال نشاهد بعضها في الكثير من أماكن المسلمين وغيرهم.

فنحن المسلمين عَلى عِلم يقينيٍّ أنّ دينَنا الإسلام هو دين الله تعالى الحقّ الذي ختمه برسالة نبيّه محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم؛ قال تعالى (اليومَ أكلمتُ لكم دينَكم وأتممتُ عليكُم نعمتي ورضيتُ لكم الإسلام دينا)، وقال تعالى (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين)، وأن الله تعالى هو خالق جميع المخلوقات، وهو العالـِم بما يصلح لهم في أي زمان ومكان، وكما أنه تعالى لم يخلق الجن والإنس إلا للعبادة، قال تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)، وأنه سبحانه سيحاسب عباده يوم الجزاء على أعمالـهم. فلذلك كلِّه كان مِن اللزوم ضبط أعمالنا ومصطلحاتنا ومفاهيمنا بالشرع حتى نضمن هذا التوازن ونلزم الثبات على الصراط المستقيم.

 

مفهوم (التنوع والشمولية)

جاءَ مفهوم (التنوع والشمولية) -بهذا الاسم المركّب والمتداخل (inclusivity and diversity)- مِن المجتمعات الغربية. فــ(التنّوع) في بِيئَة معيّنة (ليس فقط أماكن العمل) هو: تواجد وتقَبّل أشخاص مختلفين في العمر والجنس و"الهوية الجنسية" واللون والدّين والجنسية والعرق والثقافة والانتماء، بينما (الشمولية) هو إعطاء فرص متساوية لهؤلاء جميعًا.

وقد ظهر عندهم هذا المصطلح لغرض محاربة العنصرية والتمييز الذي كانوا يمارسونه مع بعضهم البعض ومع غيرهم. وهو أمر ليس مستغربا منهم، فهِي عادتهم كعادة المخادعين والمكرة؛ ينشرون المآسي ثم يحاولون تغطيتها بمكر وخداعٍ فيخترعون لها المفاهيم والمصطلحات والاحتفالات بالأيام العالمية وتقديم المساعدات في محاولةٍ منهم لتحسين صورتهم الإجرامية الماكرة على أنّهم دعاة السلام والمحبة والصلاح والإيثار، ويهتمون بشؤون مجتمعاتهم وبالناس وبالمسلمين وبالعالم أجمع مَعَ أنّ جرائمهم ضد الإنسانية عامة والمسلمين خاصة لا تزال شاهدةً عليهم وعلى كل من يعاونهم في تمرير مكرهم وخداعهم. مما يجعلك تتيقن –أيها المسلم- أنّ الكثير من المفاهيم والمصطلحات التي يخترعونها لن تخدم بالدرجة الأولى إلا مصالحهم، بما في ذلك أي دعوة للتعاون مع المسلمين فإنك تجدهم لا يفكّرون إلا في أنفسهم وفي مصالحهم، مصداقًا لقوله تعالى (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم).

ولستُ أشك أن الكثير من المسلمين على علمٍ بأنّ مفهوم (التنوع والشمولية) من حيث المبدأ قد رعاه شرعنا، لكنْ بطريقة منضبطة تصلح لكل الأزمان والأمكان لا كما يريده الغرب وأعوانه كما سيأتي بيانه. فليس المسلمُ في حاجة إلى عُبّاد الأوثان والصّليب أن يـمْلوا عليه مَنهج حياته وما يُصلح آخرته وهو لديه الكتاب والسّنة النبوية وتفسير العلماء لنصوصهما. ولكنْ طالما هذه المصطلحات دخلتْ مجتماعتنا -بشكلها المستورد من الغرب- دون فَحص واستئذان كانَ لزامًا أن تُبيَّنَ الحقائقُ، وتمييزُ خَبيثها من طيبها، لنكونَ على دراية منها، فنحْذرَ مِن قَبول أيّ شيء بِدون أي قيدٍ أو ميزانٍ.

فحِينما نتكلم عن (التنوع والشمولية) بشكلها الظاهر فكأنك تقول: لا ينبغي أن أميّز بين هذا وذاك في التعامل في (حَدثٍ مَا) يشترك فيه البشر بطبيعتهم. فَهذِه هي الصّورة الظاهرة لهذين المصطلحين المتداخلين. ولا إشكال في المبدأ فشَرعنا دَعا قبل ذلك بكثير إلى إقَامة العَدل بدون تمييز، وعدم النّظر إلى الفوراق في الجنس واللون والنسب والانتماء وغير ذلك في المعاملات الطبعية الحسية والمادية، قال تعالى (إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم) وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم) وغير ذلك من النصوص الدالة على وجوب إقامة العدل بقطع النظر على العلائق التي تربط الناس.

ولكن السؤال ههنا: هل مفهومُ  الظاهر لـ(التنوع والشمولية) كما استوردناه من الغرب يبقى صحيحًا سليمًا في جميع صوره؟ أم ينبغي تقييده؟

والجواب مرتبط في فهم صور تطبيقاته بالنظر إلى الأشياء الداخلة فيه:

فعندما نقول بعدم التفريق في: العمر، والجنس، و"الهوية الجنسية"، واللون، والدّين، والجنسية، والعرق، والثقافة، والانتماء ننظر إلى هذه الأشياء من جهتين:

الأولى: من جهة معنى هذه العناصر

والثانية: من جهة مكان تطبيق هذا التنوع وهو الشّمولية.

فبالنسبة للصور أو العناصر فبعضها لا نزاع فيها مثل: العمر واللون والجنسية والعرق والانتماء فلا ينبغي التمييز في ذلك، وجعلها بوصلةً للحكم والحب والبغض والولاء والنصرة والتفضيل، بل قد عدّ الشرع هذا التّصرف من الجاهلية. بينما الجِنس والدّين و"الهوية الجنسية" والثقافة فلِكوننا مسلمين فَلَنا أن ننازع فيها كما سيأتي بيانه.

وأمّا مَكان التطبيق: فليس كذلك جميع الصور بظاهرها قابلة للتطبيق في جميع الأماكن بنفس المنهجية.

فإلى تفصيل ذلك -على شكل نقاط-:

1.   موضوع "الهوية الجنسية": ما هي "الهوية الجنسية"؟ لـمَّا انتشر الشذوذ الجنسي في المجتمعات الغربية، وفقدوا السيطرة عليه بسبب فشل الطب النفسي الذي يعتمد على العقل المحض لعلاج مسائل الشذوذ والاضطرابات النفسية استسلموا للأمر الواقع وللمطالبات بعدمَا كانَ مرفوضًا جملة وتفصيلا. ثمّ بدَأت سِلسة الاعترافات بالشذوذ بحُجّة أنّ الدساتير تكفل الحرية الشخصية، وأنّ للفرد الحرية المطلقة في اختيار هويته الجنسية وإن كانتْ مختلفة عن جنسه الطبعي. لذلك تمّ إقحام "الهوية الجنسية" في مفهوم (التنوع والشمولية) لإدخال مثل هذا الصنف من الناس وما يتبعها من قضايا.

فِمن آثار هذا القبول المطلق لـ (الهوية الجنسية) هو الاعتراف بالشذوذ الجنسي وبجميع المسائل المرتبطة به؛ كالاعتراف بالشريك المثلي والزّواج المثليّ والتّبنّي على أن أحد الرجلين يلعب دور الأم والعكس في حال زواج الأنثيين، مع أنّ العقل والفطرة يرفضان مثل هذا الشذوذ لأنّ مساره الحتميّ القضاءُ على الجنس البشري، فضلًا عن حرمة هذه المسائل شرعًا بلا نزاع.

2.   موضوع "الجنس": والمقصود به تمييز الذكر عن الأنثى في الخطاب ومعاملتهما بالتساوي. ففي جزئية الخطاب (=اللغة)، فعلى إطلاقات الغرب يلزم من ذلك إحداث تغيير جذري في اللغة لإدراج الأنثى مع الذكر في كلّ كَلام وإن لزم الأمر استحداث كلمات جديدة، ليشمل أيضًا إدخال الشواذ أصحاب (الهوية الجنسية) في الخطاب بمعنى أن تدخلهم بشكل مميز أو يُفهم ضمنيًّا أنهم داخلون في الخطاب لأنهم يعتبرون جنسا آخر غير الذكر والأنثى في نظرهم.

وقد نتج هذا اللجوء إلى التغيير في خِطابهم (أي في لغتهم) لسببين: الأول: وجود قصور في لغتهم وأساليبها، والثاني: ظهور ألفاظ وعبارات شاعت لديهم وقتَ ممارستهم للتمييز والعنصرية وأدرجَتْ ضمن لغتهم الرسمية، ثم شعروا بضرورة التخلي عنها بدعوى الإصلاح فلم يجدوا سوى الإزالة والتبديل.

فَهل -كوننا مسلمين- سنوافقهم على ذلك؟

فهل سنقوم مَثلًا بتغيير لغتنا العربية (لغة القرآن) المتِينة وتغيير أسلوب الخطاب العربي الغني والفصيح، والذي يعطي كل ذي حق حقه من الخطاب مِن أجل عيون الغرب ومَن عاونهم؟

فقبولنا لهذا الموضوع بهكذا إطلاقات له مداخل خطيرة وتبعات وخيمة، إذْ قد تُفتح أبوابٌ للمتصيدين والانهزاميين وأصحاب الأجندات للمطالبة بتغيير خطاب الشرع بحجة وجود التّمييز المذموم وانعدام الشمولية!!! وهذا أمر في غاية القبح، وهو ممنوع جملة وتفصِيلًا. فالشرع -على سبيل المثال- حينما يخاطِب بلغة العرب: بــ(العباد) أو (يا أيها المؤمن) أو (أيها المسلم) أو بصيغة الجمع يدخل فيه الجميع الذكر والأنثى، وتارة يُفصَّل بحسب اقتضاء المقام، كقوله تعالى (إنَّ المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما).

وكذا الشأن لو قال كاتبٌ مَثلا "أيها القارئ" فهو أسلوب فصيح يدخل فيه كل قارئ سواء أكان ذكرا أم أنثى، فمعناه "يا مَن يقرأ" الكتاب أو المقال؛ فهو أسلوب ينظر إلى فعل القراءة لا إلى جنس القارئ، أي بشكل عام: النظر إلى الفعل لا إلى الجنس. أمّا إذا فصّل كقوله "أخي القارئ" فقد يكون الأوضح اتباعها بــ "أختي القارئة"، ولو اكتفى بــ"أخي القارئ" لبقي الخطاب سليمًا ودخل أيضًا جميع القرّاء لسلامة القاعدة. بينما لو اكتفى الكاتب بقوله "أختي القارئة" فمعنى ذلك أن خطابه موجه للأنثى فقط، أي: بالنظر إلى الجنس والفعل. فلا حاجة لنا لإحداث ثورة لغوية على لغتنا العربية المظلومة أصالةً من أهلها، فلنفهم ذلك.

3.   ثمّ إنَّ طبيعة المرأة تختلف كثيرا عن طبيعة الرجل فِطرةً وعقلًا وشرعًا، قال تعالى: (ليس الذكر كالأنثى)، وقال تعالى: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم)، فهذا ليس من باب التّمييز الذِي في ذِهن مَن يزعم خَوفه على المرأة ويسعى إلى تحريرها ليصل إليها بكل حرية وبالقانون،  بل هو بيان حقيقة الفطرة التي يَعلمها الله تعالى فهو الخالق العليم الخبير.

فالإسلام أعطى المرأة حقوقها التي تَصلُح لها كأنثى، فليس يوجد مِن مشكلة ولا عائق لمشاركتها الفعالة في بناء المجتمع، بل هذا أمر مطلوب لكن ضمن الحدود الشرعية التي حدها الإسلام للذكر والأنثى على حدّ السواء؛ كاجتناب الاختلاط الفاحش، والتزام اللباس المحتشم، وغض البصر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتجنيب الأنثى بعض الأعمال والوظائف التي لاتوافق بنيتها ولا تركيبتها النفسية كالأعمال الشاقة وغيرها.

بمعنى أن الله تعالى خلق الذّكَر ليكون ذكرًا والأنثى لتكون أنثى، وبَيّنَ سبحانه وتعالى سبيل الصلاح للناس جميعًا. وهو عكس ما يفعله الآن بعض البشر المصادمين للفطرة يتكلمون ويتدخلون ويفرضون كأنّهم أُعطُوا وكالة حصرية باسم البشر جميعا، ليشتتوا الأذهان ويفسدوا التفكير ويبعدوا الناس عن دينهم الإسلام، ويزرعوا القلائل والمزاحمات العشوائية بين النساء للرجال بأساليب همجية ملتوية تخالف الفطرة والعقل والشرع.

ثمّ ههنا نقطة تأمل: فحينما يقول سبحانه تعالى (ليس الذكر كالأنثى) أو (الرجال قوامون على النساء) فهل سيأتي يوم على أناس يُغَيّرون أو يحرِّفون أو يُطالبون بتغيير هذا الخطاب الإلهي لفظا أو معنى أو كليهما؟! كما يفعل الغرب بلغتهم وكتبهم.

وهل يجوز لنا مجاملة الغرب في هكذا قضايا؟!

4.   وأَمَّا الدِّين: فالمقصودُ من إقحامهم للدِّين في (التنوع) هو تحقيق الأخوة الإنسانية والحرية الدّينية بما في ذلك المسلم، فلا فرقَ بين مسلم ولا يهودي ولا نصراني ولا بوذي لأن الجميع بشرٌ والجميع يعبد إلهه الخاص به وبطريقته الخاصة أو كما يحلو له، فحتى المسلم في نظرهم له أن يعبد الله كما يحلو له.

والجواب على ذلك من وجهين:

5.   الوجه الأول: أنّ شرعنا الحنيف "الإسلام" هو دين الحق عند الله تعالى، وقد فرَّق شرعنا بين المسلم وغيره في كثير من الحالات ومَيّزه تمييزًا ظاهرًا لأنّه هو الحقّ المطلق. فهل تمييزُ الحقِّ من الباطل يعدُّه العاقلُ تمييزًا مذمومًا أم محمودًا؟!

إنَّ تمييزَ الحقّ من الباطل وتمييز السّليم من الردئ هو من جنس التمييز المحمود، بينَما لو تميّز فلانا على فلان في وظيفةٍ لهوى أو قرابة فهذَا يدخل في جنس التمييز المذْموم.

أرأيت؟

فليس من مشكلة في لفظة "تمييز" وإنما في استعمالاتها.

6.   ثمّ ينبغي التفريق في هذا المقام بينَ مجرّد التّعامل مع (غير المسلم= الكافر) وبين الحب والبغض والنصرة والولاء، فلا ينبغي أن نجعل مِن التعامل مع الكافر -كما سماه الله - والتعاون معه في حدود الحاجة جسرًا إلى المحبة والنصرة والولاء.

7.   والوجه الثاني: أنّ المسلم يعبد الله تعالى على مراده سبحانه تعالى لا وفق مراد البشر أو بالكيفية التي تحلو للبشر كما يريد نشر ذلك الكثيرون.

وكمداخلة أخرى أقول: أخشى أن يأتي يومٌ يطالب فيه بعض المثقفين مِنَ المسلمين والمتصيدين والانتهازيين بحذفِ لفظة (الكافر) من الخطاب الشرعي (نصوص القرآن والسّنة)؟! فإنَّ مقدّمات ذلك بدأتْ بالظهور. فبدَلا من ضبطِ كلام الناس وتصرفاتهم بنصوص الكتاب والسّنّة كما جاءتْ يأبَى البعضُ إلا أن يلجأ للتبديل والتحريف ظنًّا منهم أنّه الحل المناسب للتملّص، بينما هي أفعال تشبه إلى حدٍّ ما تحريفات اليهود والنصارى لأديانهم وكتبهم. فتأمّل ذلك.

8.     والمقصود هنا بجب تقييد العبادات والتصرفات بما قيده الشرع -كوننا مسلمين-: فالأخوة الشّرعية هي تلك الأخوة المرتبطة بالإيمان بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم، والتي جعلها الشرع فوق كل رابطة، قال تعالى (إنما المؤمنون إخوة). بل إنّ العلماء قرروا بعدم جواز استعمال الكافر وتقديمه مع وجود مسلمٍ ذي أهلية، وكذا لا يجوز استعمال كافر يعمل على إهانة مسلمٍ، وغير ذلك مِن الصور ليس هذا مقام تفصيلها.

9. والمقصود أن جزئية (الدّين) في (التنوع والشمولية) ينبغي تقييد تطبيقاتها بما يوافق الشرع الحنيف لا بما يطلبه الناس وهوى البشر.

10.     وأما الثقافة: فمقصودهم قَبول الثّقافات المتنوعة بقطع النظر عن الاختلافات، ويدخل في ذلك: تقبّل ثقافة (الإنجاب خارج إطار الزواج) وثقافة (المواعدات)، وثقافة (الشريك أو الشريكة بدلا من الزوج أو الزوجة)، فهذه من بعض ثقافات الغرب المصادمة لشرعنا الحنيف. والمقصود أنّ قبولنا المطلق بالثقافات والأعراف دون تقييدها بالشّرع قد يُدخل فِيها تلكم المسائل ذات الخطورة على دين الناس وقيمهم وأخلاقهم.

 

الخلاصة:

بناءً على ما سبق فقد ظهر لنا فساد بعض عناصر وتطبيقات هذا المصطلح لمصادمتها لعقيدة المسلم وأخلاقه وقيمه وثوابته، وبعضُ أنواعه أيضًا داخل في المجاهرة بالمعصية!! وعلى ذلك فإنّ قبول أو تَقَبّل أو فَرض (التنوع والشمولية) في أيّ بَيئة بشكلها المطلق -كما يريده الغرب- أمر لا يليق بالمسلم فعله؛ فينبغي عليه تقييد عناصره وتطبيقاته بما يوافق مراد الشرع لا مراد البشر. بمعنى: دراسة القضايا بجزئياتها لا الاكتفاء بالنظر إلى ظاهر المصطلح الذي عادة ما يتخذ شكلا رنّانا مغريا ليتمّ لهم القَبول والتقبل والتنفيذ.

وَلْنَكُنْ مُدركين أنّ عدم قبول الصّور المخالفة للشرع في مفهوم (التنوع والشمولية) أو غيرها من المفاهيم والمصطلحات هو العمل الصحيح والسليم الذي يرضي ربنا سبحانه وتعالى. فينبغي –كوننا مسلمين- اجتناب ذلك وإنْ فاتَتنا أشياءُ مِن الدنيا فَرضَها الغرب -ومن عاونهم- مِنْ مسابقات ومحافل وجوائز وهدايا وقروض ومساعدات والارتقاء في سلالم الترتيب وغير ذلك.

وخلاصة الكلام في هذا الموضوع، أن مفهوم (التنوع والشمولية) الذي بات حديث الساعة، ومنهج العديد من المؤسسات والشركات والحكومات والمجتمعات لا ينبغي قَبوله مطلقا ولا رده مطلقا. بل ينبغي دراسته ومِن ثُمّ طرحُ كلّ ما يخالف الشّرع، وإبقاءُ العملِ بما يوافق الشرع باعتباره حق لدينا أصالة.

فأيّ قَبولٍ بمسائلَ تصادم الشرع وفَرْضها على النّاس بالمفهوم الوَاسع والعشوائي الذي يريده الغرب -ومن سار على نهجهم- هو اعترافٌ بالباطل، بل قد يَدخُل هذا الفعل في جنس التّقوّل على الله تعالى لا سيما إذا ما حاول مَن يحاول العبث والتنقيب على ما يبيح له ذلك بدَعوى المصالح وما شابه، فيَلبِس الحقّ بالباطل ويتمكن مِن إدخال المحرّماتِ وبذلك تتحقق أهدافه. بل ربما قد يَدْخُل فعلُه في جنس الاستدراك على الله تعالى من جهة التّصور بأنّ الإسلام لم يكن عَادِلًا وأنّ خطاب الشرّع فيه نوع قصور. تعالى الله عما يقول الظالمون علُوًّا كبيرًا.

فاللهم ألهمنا رشدنا وقنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.

تعليقات

الأكثر قراءة

مع حديث " يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار.."

بين "الروتين" القاتل والنافع!