لطيفة في مقياس الإيمان بالله

لطيفة في مقياس الإيمان بالله

طَلبَتْ بنو إسرائيل مِن نبيّهم موسى -عليه السلام- رؤيةَ الله جهرة حتى يُؤمِنُوا؛ فقالوا:(لَن نُّؤۡمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهۡرَةࣰ)؛ فعاقبهم الله تعالى بالصاعقة. فطَلُبُهم هذا كان سببُه التّشكيك، بمعنى -كما قال المفسرون- أنّ إيمانهم لن يكتمل أو أنَّ مآلهم سيكون الكفر إلّا إذَا رَأوا الله تعالى عيانًا.

وفي مقابلة ذلك انظر إلى طلب موسى عليه السلام حينما قال: (رَبِّ أَرِنِیۤ أَنظُرۡ إِلَیۡكَۚ)؛ فهذَا  ليس من باب كمال الإيمان، وإنما مِن باب الشّوق إلى رؤية الله تعالى والتلذذ بالنظر إلى وجهه تعالى. فالنظر إليه سبحانه مِن أفضل مَا في الجنّة مِن نَعيم؛ قال تعالى :(لِّلَّذِینَ أَحۡسَنُوا۟ ٱلۡحُسۡنَىٰ وَزِیَادَةࣱۖ)؛ فالحسنى: هي الجنة، والزيادة: هي رؤية الله تعالى؛ ففي صحيح مسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا دَخَلَ أهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ، قالَ: يقولُ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالَى: تُرِيدُونَ شيئًا أزِيدُكُمْ؟ فيَقولونَ: ألَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنا؟ ألَمْ تُدْخِلْنا الجَنَّةَ، وتُنَجِّنا مِنَ النَّارِ؟ قالَ: فَيَكْشِفُ الحِجابَ، فَما أُعْطُوا شيئًا أحَبَّ إليهِم مِنَ النَّظَرِ إلى رَبِّهِمْ عزَّ وجلَّ. وفي رواية: وزادَ ثُمَّ تَلا هذِه الآيَةَ: (لِلَّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى وزِيادَةٌ)". وقد جعل الله تعالى هذا النظرَ خاصًّا بأهل الجنة، وهو أفضل ما ينعم الله به عليهم.

والمقصودُ أنَّ المسْلِمَ في هذه الدّنيا لا يفتقر إلى رؤية الله تعالى جهرةً ليزداد إيمانه أو ليطيع الله ورسوله كما هو فعلُ بني إسرائيل؛ فهذا أمر لو وَقَع من مُسلم فهو في بالغ الخطورة؛ إذْ إنّ الإيمان بوجودِ الله تعالى هو أولى أركان الإيمان، وبدونه فإنّ العبد لا يعدّ مسلمًا أصالةً. ولذا فلا ينبغي أن يشكّ المسلم في وجود الله البتة، أو يربط كمال إيمانه برؤية الله تعالى، بل عليه أن يراقبَ اللهَ في السّرّ والعلن، ويخلص أعماله لله تعالى، ويرتقي بإيمانه للفوز بمرتبة الإحسان، فيعبدُ اللهَ تعالى كأنه يراه، كما أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلّم في حديث جبريل:" قالَ: ما الإحْسَانُ؟ قالَ: أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأنَّكَ تَرَاهُ، فإنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فإنَّه يَرَاك". فمرتبة الإحسان هي محرّك الاستقامة، وهي مرتبة يصل فيها العبد إلى مراقبة الله تعالى في السّر والعلن، كأنه يرى الله تعالى فيأتيه ذاك الشوق إلى لقائه والنظر إليه؛ أي أنّ العبد ليس يحتاج إلى رؤية بصرية حتى يعبدَ الله تعالى، ويخلصَ العمل له، ويأتمر بأوامره وينتهي عمّا نهى عنه؛ قال تعالى: (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ، هَـذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ، مَّنْ خَشِيَ الرَّحْمَـنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ، ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُود، لَهُم مَّا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ)؛ قال البغوي في معنى الآية: " مَنْ خَافَ الرَّحْمَنَ وَأَطَاعَهُ بِالْغَيْبِ وَلَمْ يَرَهُ".

 

فلننتبه ونُفرّق بين الأمور جعلني الله وإياكم من المحسنين.

تعليقات