هل صحيح على نياتكم ترزقون

 

هذه المقولة ليست مِن قول النبي صلَّى الله عليه وسلم، وإنما هي من جملة ما يُتداول في عصرنا. وهي صحيحة لكن ليس على إطلاقها؛ فتَصحّ في ما له تعلق بصحة الأعمال وفسادها، وكسب الحسنات والسّيئات وليس في كسب العيش من مال وصحة وما شابه؛ فَكَمْ مِن صالح فقير ضعيف، وكَم من فاجر قوي غني. ويُغني عن هذه المقولة قولُ النّبيّ صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنية وإنما لكل امرئ ما نوى"، وقوله صلى الله عليه وسلم:"إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم".

وأمَّا الغِنى والفَقر والصّحة والمرض وغير ذلك وتفاوت الناس في ذلك فَليس للنية مدخل، فالله تعالى قد قدّر هذه الأرزاق وهذا التفاوت للابتلاء؛ قال تعالى: (وَهُوَ ٱلَّذِی جَعَلَكُمۡ خَلَـٰۤىِٕفَ ٱلۡأَرۡضِ وَرَفَعَ بَعۡضَكُمۡ فَوۡقَ بَعۡضࣲ دَرَجَـٰتࣲ لِّیَبۡلُوَكُمۡ فِی مَاۤ ءَاتَىٰكُمۡۗ)، وقال تعالى (نحۡنُ قَسَمۡنَا بَیۡنَهُم مَّعِیشَتَهُمۡ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَاۚ وَرَفَعۡنَا بَعۡضَهُمۡ فَوۡقَ بَعۡضࣲ دَرَجَـٰتࣲ لِّیَتَّخِذَ بَعۡضُهُم بَعۡضࣰا سُخۡرِیࣰّاۗ) والنصوص في هذا الباب كثيرة، وما على المسلم إلا طلب الكسب الحلال والدعاء.

ويُشار إلى أنّه قد صَحّ في مسألة النّية البعثُ؛ قال النّبي صلى الله عليه وسلم من حديث عائشة رضي الله عنها: (يَغزُو جَيْشٌ الكَعْبَةَ فإذا كانوا بِبَيْدَاءَ من الأرضِ يُخْسَفُ بأَوَّلِهِم وَآخِرِهِم قالت: قلتُ: يا رسول الله، كيف يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أَسْوَاقُهُم وَمَنْ ليس منهم؟ قال: "يخسف بأولهم وآخرهم ثم يُبْعَثُونَ على نِيَّاتِهِم"، وقال صلى الله عليه وسلم: "يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ علَى ما ماتَ عليه"، ويدخل في ذلك النية. 

فَلَو قال الناس: "على نياتكم تبعثون" لكان أصوب مِن قولهم على "نياتكم ترزقون" وهم يقصدون بذلك المالَ والصحة والشهرة والقوة والشهادات الدراسية والتدريبية وما شابه ذلك، بل من الناس من يستعملها في الكسب المحرم كالربا وألعاب القمار!

والله أعلم.

تعليقات