لفتة ذكية من الشيخ الأديب علي الطنطاوي رحمه الله : الانبهار بالمخلوق وإهمال الخالق



أعجبني كلام الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله حول جزئية الانبهار بالمخلوق وترك الخالق، أنقل كلامه هنا بالمعنى فإني لا أذكره لفظا : "في هذا الزمان يهتم الناس بالمخترع أو المكتشف ويتركون أو يهملون الخالق!!

فالله تعالى هو الذي أودع في الإنسان القدرة على التفكير والبحث والرّغبة، وهيأ له أسباب الاكتشاف؛ فالمكتشف لم يخترع شيئا معدوما وإنّما اكتشف شيئا موجودا".

ثم ضرب مثالا بالطائرة؛ "وأنّ أسباب الطيران موجودة، وأنّ المكتشف لم يصنع القوانين الطبيعية وإنما اكتشف وجودها؛ فالله تعالى هو مَن خلق للهواء القدرة على حمل الطائرة ورفعها، ولو لم يشأ ذلك لما طارت. وقُل مثل ذلك في سائر الاختراعات والاكتشافات مهما كان مجالها".

انتهى المنقول من معنى كلامه رحمه الله.


وفي ظني أنّ مثل هذا الإهمال من النّاس لصنعة الخالق وإرجاع الفضل إلى المخلوق البشري فقط، وإظهار الانبهار به، والاكتفاء بذلك دون إمعان النظر فيمن خَلَقَ الخَلْقَ لهو مِن أسباب ضعف تعظيم شأن الخالق في النّفوس اليوم، والذي بدوره أضعف مراقبة النّفس في السر والعلن، فضَعُفَ مَعها شكرُ النعم وأخذُ الكتاب والسّنة بحبٍّ وقوّة واعتزاز


وبالمختصر المفيد: الأصل في الاختراعات أو الاكتشافات أنّها من جملة الأسباب التي تقرّب المخلوق من الخَالق، وتزيد هذا المخلوق سواء أكان المكتشف أوالمستهلك ذُلّا وخضوعا له سبحانه وتمسّكا بدينه الحقّ الإسلام. ولكننا نرى -وللأسف- غالب أهل هذا الزمان يفعل نقيض ذلك حتى أُدخِل إلى نفوس المسلمين تصورات مغلوطة كقولهم بأن التمسك بالكتاب والسنة وباللغة العربية يعطّل التّنمية والتّقدم ولا يخدم اتّحاد(!) البشرية وتطورها(!)، مشبهين ذلك أحيانا -كي يرعبوا النّاس- بأوضاع المجتمعات الأوروبية فيما يسمونها بالقرون الوسطى وقرون ما قبل الثورات الصناعية المظلمة مع أنّ هذا التاريخ يخصّ بالدرجة الأولى الأوروبيين وأمثالهم، ولا يخص -البتة- المسلمين ولا الحضارة الإسلامية المشرقة؛ فكيف يقارن بين الأمرين؟ وكيف لمسلم أن يقبل بهذا التصور في حق التمسّك بدينه الحقّ؟


وهذا الأمر أو القول -بأن التمسك بالكتاب والسنة يعطل التنمية ولا يخدم مصلحة البشرية(!)- إنْ حدَث من مُسلمٍ -يشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله- فلا يمكن وضْعه إلا في خانة الخذلان لا التوفيق وإن كان ظاهره في عُرف الناس اليوم نجاحا وريادة -كما يقال-. 

تعليقات