مع حديث " يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار.."


 أخرج البخاري في صحيحه قول النبي صلى الله عليه وسلم :" يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار، فتندلق أقتابه في النار، فيدور كما يدور الحمار برحاه، فيجتمع أهل النار عليه فيقولون: أي فلان ما شأنك؟ أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه".

 

التعوذ من العلوم التي ستكون حجة على العبد

قال السّبكي: " وكان الشيخ أبو إسحق الشيرازي يستعيذ بالله من مثل هذا العلم حيث كان يقول: نعوذ بالله من علم يكون حجة علينا، وينشد:

علمتَ ما حلّل المولى وحرّمه ... فاعمل بعلمك إنّ العلم للعمل

 وفي مثل هذه الطائفة يقول الشاعر:

يا أيها الرجل المعلم غيره ... هلا لنفسك كان ذا التعليم

تصف الدواء من السقام لذي الضنى ... ومن الضنى -مذ كنت- أنت سقيم

ما زلت تلقح بالرشاد عقولنا ... صفة وأنت من الرشاد عديم

ابدأ بنفسك فانهها عن غيها ... فإذا انتهت عنه فأنت حكيم

فهناك تقبل إن وعظت، ويقتدى ... بالقول منك، وينفع التعليم

لا تنه عن خلق وتأتى مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم

 فهذه الطائفة إذا واخذها الله تعالى فلا ينبغي أن تعتب وتقول: نحن أهل العلم؛ فإن صنيعها ليس بصنيع أهل العلم الذين هم أهل العلم؛ بل هؤلاء كما قال الله تعالى: (لا يعلمون، يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا) فمَا قوبلوا إلا بعدل من الله تعالى". [معيد النعم ومبيد النقم (ص 68)]

 

عدم العمل بالعلم من الكبائر

وقدْ عدّ ابن الحجر الهيتمي هذا الفعل من الكبائر  في كتابه؛ وقال: "الكبيرة الخامسة والأربعون عدم العمل بالعلم" [الزواجر  عن اقتراف الكبائر، ( 1/ 155)]

وقال الغزالي في "إحياء علوم الدين" (1/ 60): "وإنما يضاعف عذاب العالم في معصيته لأنه عصى من علم، ولذلك قال الله عز وجل إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار لأنهم جحدوا بعد العلم".

 

حجة الله على أهل العلم آكد

وقال الشيخ عبد العزيز السلمان رحمه الله:  " فَلابُدَّ للعَالم من معرفة أمرين: أحدهما: أن يعلم أن حجة الله عَلَى أَهْل العلم آكد، وأنه يحتمل من الجاهل ما لا يحتمل من العَالم، قال الله تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ)، فإن من عصي الله عَلَى علم ومعرفة أعظم جناية ممن عصي الله عَلَى جهل، لأن العَالم لم يقض حق نعمة الله عَلَيْهِ ولذَلِكَ قال النَّبِيّ: " يجَاءَ بالرجل يوم القيامة فيلقي فِي النار فتندلق أقتابه"" [موارد الظمأن لدروس الزمان (4/ 551) ].

 

بل منهم من وصفه كالحمار يحمل أسفارا

وقال نجم الدين الغزي:" فالعالم الذي لم ينتفع بعلمه يعيش في الدنيا مثل الحمار، ويدور في النار يوم القيامة كما يدور الحمار في المدار.

وفي المعنى قلتُ:

حَرِّرْ عُلُومَكَ ما اسْتَطَعْتَ وَلا تَكُنْ ... مِثْلَ الْحِمارِ يُحَمَّل الأَسْفارا

وَاعْمَلْ بِعِلْمِكَ إِنَّ عَبْداً لَمْ يَكُنْ ... بِالْعِلْمِ يَعْمَلُ سَوْفَ يَصْلَى النَّارا

فَيَدُورُ فِيها كَالْحِمارِ عَلى الرَّحا ... لا يَبْرَحَنَّ عَلى الْمَدَى دَوَّارا

فَيَطُوفُ فِي الدُّنْيا حِماراً سارِحاً ... وَيَدُورُ فِي نارِ الْجَحِيمِ حِمَارا" " انتهى. [حسن التنبه لما ورد في التشبه (10/ 461)]

 

فاللهم نعوذ بك من علم يكون حجة علينا.

تعليقات