(جهادُ الخازن) وانتقاصه مِنَ الخُلفاءِ الرَّاشِدينَ

 

شعورُ بعضِ النّاس في مجتمعَاتِنا بالانهزامِ أمام الحضارة الغربيّة حَملَهم على الانسلاخِ منْ هُويّتهم والتنكر لمعتقداتهم؛ بل والمضيّ في زعزعة ثوابت أمّتهم الإسلاميّة. وهي ردّة فعلٍ مِنهم طمعًا في اللّحوق برَكْب المدنيّة الغربيّة التائهة التي عزلتْ الدِّين، وانْسلخَتْ مِن الأخلاقِ رَكْضًا وراء المادّة، وجريًا خلفَ السّيادةِ في صراعٍ حيوانيٍّ البقاء فيه للأقْوى؛ ولو كانَ مِنْ أفسدِ وأخبثِ بني البشر..

ومِن هؤلاء الذين انتهجُوا هذَا النّهْجَ: العلمانيّون وأفراخهم؛ فإنّك تجدُهم يُسارعُون إلى التّشكيك في ثوابت الأمّة في مختلف علومِها اللغةِ والحديثِ والتاريخ والفِقه في محاولاتٍ منهم متعددة، ومراوغاتٍ متكرّرةٍ لإقناعِ الجمهور أو (الرَّأي العام) بأنَّ علّةَ تخلّف المسْلِمين الماديّاليومَ- تمسّكُهم بهذَا الدّين.

وحتّى لا تُفتضحَ نَواياهم، وتُكْتَنه خباياهم فَإنّك تجدُهم يتستّرون بزعمهم حبّهم للقرآنِ وإجلالهم للنّبيّ صلى الله عليه وسلم ليسهلَ عليهم -بعدُ- تشويه عدالةِ الصّحابة، وازْدِراء مكانَتِهم الشرعيّة، وذَلك بإظهار مَا حدثَ بينهم مِن الخلافات الثّابتة مَع إضافةِ كثيرٍ مِنَ التّحريف، أوْ باختلاقِ قصص خيالية مكذوبة؛ لِيصلوا إلى نتيجةٍ جاهلةٍ ظالمةٍ وهيَ أنَّ نقلةَ السُّنّة النّبويّة أصحابَ رسول الله صلى الله عليه وسلّم فَاقِدو العدالة، وَمِن ثُمّ يرُدّون السّنّة النّبويّة التي تخالف متطلّبات الانضمام إلى المدنية الغربية الغريبةِ.

وبَعد هذه المقدمة الوجيزة أقولُ:

نشرتْ صحيفة الحياة اللندنية بتاريخ 23 مايو 2011 لمدير تحريرها السّابق (جهاد الخازن) مقالةً له في غايةِ السّوء؛ إذْ تعرَّض بالذمِّ لخيرةِ صحابةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم حيثُ انتقدَ خلافَتَهم، بَلْ انتقَص مِن عَدَالتهم متجَاهِلًا قَول النّبيّ صلّى اللهُ عليْه وسلَّم -في بيانِ فضلِ هذه الكوْكبة الهادية-: «عليكم بسنّتي وسُنّة الخلفاء الراشدين المهديّين مِنْ بعدي؛ فعَضّوا عليها بالنّواجذ»؛ وقوله صلى الله عليه وسلم:«اقتدوا باللّذَيْن مِنْ بعدي؛ أبي بكر وعمر»، وقَوله صلّى الله عليه وسلم: «أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة و عثمان في الجنة وعلي في الجنة..»، وغير ذلك مِنَ الأحاديثِ المعلومةِ المشهورةِ.

حيثُ قرّرَ هذا الكاتبُ بِأنَّ التّاريخ الإسلاميّ إلى يومنا هذَا ( لا يضمّ سوى سنتين يستطيع المسلم أن يفاخر بهما هما: خلافة أبي بكرالصديق) ظنًّا منه بأنَّ اعْتِرَافَه بفضلِ خلافة أبي بكر ستشفع له جَريمته الشّنعاء، وَإذْ بِه يَهوِي في وادي خدباتِ .

ومِنْ أجملِ مَاقرأتُ مَا يناسب هذا المقام قولُ ابنِ الرّوميِّ:

 

بما أهجوك يا أنتَ! *** أليسَ أنتَ الذي أنتَ؟!

 

قلتُ:

فبعدَ أن مدَح على استحياءٍ- خلافة أبي بكرٍ خليفةَ خاتم الأنبياء، توجَّه بالانتقادِ إلى خِلافةِ سائرِ الخلفاءِ معارضًا بذلك - قولَ النبيِّ صلّى الله عليه وسلم :«خلافة النبوة ثلاثون سنة ، ثم يؤتي الله الملك أو ملكه من يشاء ».

فمما قاله في حقّ الفاروق عمرَ رضي الله عنه:«والفاروق عمر كان عادلاً جداً، إلا أنه كان شديداً قسا على ابنه لسكره، وجَلَدَهوهو مريض فمات؛وكان أول قرار له بعد خلافته أبي بكر عزْل خالد بن الوليد، أعظم قائد عسكري فيتاريخ العالم كله، لخلاف بينهما وهما صغيران»؛ وهي- بلا ريبٍ- قصص باطلةٌ مكذوبةٌ، ولا يتعلّق بها إلا الجهّال والحمقى ممن بَاع عقله وقلَمه في سوقِ (العالمية).

وقال في حَقِّ عثمان رضي الله عنه:« أمّا عثمان بن عفان فقدّم أقاربه، ويلخّص سنوات حكمه قول الإمام علي: أثَر عثمان؛ فأساء الأثَرَة وجزعتم فأسأتم الجزع (الجزع عدم الصبر وليس الخوف كما يفهمها العامة) »؛ وفي عليِّ رَضي الله عنه يقول:« وكان عليُّ بنُ أبي طالب عبقرياً في كلِّ شيءٍ سِوى التّعامل مع النّاس ربّما لصِغرسِنَه»؛

فمَا فائدة ذَلكم الإطراء مع هذَا الاستثناءِ؟!

أليستْ هذه سَخافة الأشْقياء؟

ولم يقف عندَ حدِّ ذمّ أعظمِ الخلَفَاء، بَل استمرّ في غيِّهِ لينالَ مِنَ الصحابيّ الجليلِ أبي سفيان مشكّكًا في إسْلامه؛ قال: «والأمويون الذين أسْلَم كبيرُهم أبو سفيان عام الفتح خوْفَ السّيفِ اغتصبوا الحكم،وكانوا ملوكاً لا خلفاء».

ثمّ بعدها عرَج على خلافةِ العباسيين فهجَّنهم بالجُملة مختلقًا كعادته- قصصًا لا خطام لها ولا زمام؛ وهي صناعة الكذّابين، وتجارة الوضَّاعِين. ثمَّ أنهى مقالته السّمجة بقوله:«الخلافة الوحيدة التي أفاخر بها هي خلافة أبي بكر، ولا أريد أن أرى في أيِّ بلد عربي دولة الخلافة».

فَماذا يريدُ -إذًا- أن يرَى ؟

والجوابُ -على حدّ قَوْله!-: يريدُ ( دولة مدنية تتسع لجميع المواطنين تستهدي قوانينها من القرآن والسنّة، ولا تخالف الشريعة، دولة قانون عصرية، الحكم فيها للشعب لا لديكتاتور حتى لو كان متنوّراً.)، وبمعرفتنا جوابِهِ مِنْ وَاقع كَلامه- نسأله:

كيفَ استطاع أنْ يجمعَ بين:

(عدَم إرادته رؤية خلافة)...

مع الدعوة إلى:

(دولة تستهدي قوانيها من القرآن والسّنة)؟!

وكيفَ لا يريدُها:

(تخالف الشريعة)

مع إرادته أن يكونَ:

(الحكم فيها للشّعب)؟!

فَصدَقَ مَنْ قال: شرُّ المصائبِ الجهلُ!

وأخيرًا نذكّر الكاتبَ بأنّه قدْ فاته شيْء مهمّ جدًّا، وهو عندَ تعارض (إرادة الشعب) مع (إرادة الشّرع)؛ فأيّ الإرادتين سيقدّم ويؤَخِّر -يَاترى-؟

فهذِه الخاتمةُ التي جادَ بها على قرّائِه بعدَ تِلكم المقدّمات المتهافتات أكّدتْ -بلا ريبٍ- شذوذَه العقليّ، و أسفَرتْ عن عقلانيته الشّاذة، فَلمْ يبقَ له سوى أن يكَسرَ قَلمَه ويلزمَ كِسْر بيْته ويبكيَ على خَطيئته.

ويتوبُ الله على مَنْ شاءَ.

وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمد وعلى آله وصَحْبه.

 

 

 ------

نشرتُ هذا الرد من باب إعلام الناس والتحذير، في تاريخ: 03/ 06/ 2011

تعليقات