كلمة قصيرة: ما عنوان خطبتك؟

 يصيب بعض الخطباء الهمّ، ويحيط بهم الغم وهم يبحثون في فهارس الكتب عن موضوع خطبة. والسعيد منهم من ينقل خطبته من كتب الخطابة المعلومة، يلقيها على مسامع الناس في تصوير عملي لأحد أنواع تحمّل الرواية. فيخرج جمهور المصلين ظافرين بتسلسل السماع، واتصال السند، و-ربما- مع علوّ إسناد.

فهل هذه هي وظيفة الخطيب؟!

أم وظيفته الشرعية البحث في فهرس الأمراض المحيطة بمجتمعه، فينقل العلاج النبوي في موعظة بليغة، وكلمة وجيزة تذكرهم بالله تعالى وبالآخرة، فيخرج النّاس من مساجدهم بهمم عالية، ونفوس طيبة؛ يرجع الظالم عن ظلمه، والضال عن ضلاله، والبخيل من بخله، والعاق من عقوقه، وغير ذلك...

فعلى سبيل المثال لا الحصر: إن فشا الشرك في مجتمعه تكلم عنه، وإن فشا الغناء تكلم عنه، وإن فشا الربا تكلم عنه، وإن فشا البخل والطمع تكلم عنهما، وإن فشا منع الزكاة والصدقات تكلم عنه، وإن فشا الكِبر تكلم عنه، وإن فشا الكذب والدجل تكلم عنه وإن فشا ظلم التجار وأصحاب العمل تكلم عنه، وإن فشا قتل النفس بغير حقّ تكلم عنه، وإن فشا استهتار الناس في الطرقات تكلم عنه، وإن فشا العقوق تكلم عنه، وإن فشا خطف الأنفس البريئة تكلم عنه...فما أكثرها من مواضيع لو عاش -فقط- هذا الخطيب في مجتمعه ومع مجتمعه.

وكلها مسائل لا أشك أنها تخدش أمن المجتمعات، بل قد تًذهب بالكامل أمانه وإن كان موحِّدًا، لأن العقوبة الإلهية تعمّ إذا ما انتشر الظلم، وفشا المنكر ولا تغيير حسيّ؛ فعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال : "يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية : ( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) فإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (إن الناس إذا رأوا منكرا فلم يغيروه يوشك أن يعمهم الله بعقابه ) . وفي لفظ: (إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب)،وفي لفظ آخر: (ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي ثم يقدرون على أن يغيروا ثم لا يغيرون إلا يوشك أن يعمهم الله بعقاب).

فلا يجمل -إذًا- بمن يعتلي المنبر-هذا المكان الخطير- أن يديرَ ظهره للمنكرات الظاهرة والمعاصي المنتشرة؛ فلا يعظ النّاس بما ينفع حالهم، ولا يزجرهم وكأنّه يعيش في كوكب آخر غير الذي يعيش فيه مجتمعه؛ بل وكأن حديث العقوبة لا يعنيه. ولا أحسب كذلك من يمنع الخطيب وعظَ النّاس بحسب الحال وإعطائه الفرصة للقيام بدوره الحقيقي إلّا داخل في نص الآية وتفسير أبي بكر رضي الله عنه.

والله الموفِّق!

تعليقات