تكرير الذِّكْر غرضه التعظيم ومواجهة الوساوس

 

تكرير الذِّكْر غرضه التعظيم ومواجهة الوساوس

 

لقد حثّ شرعنا على الإكثار من ذِكْر الله تعالى بشتى أنواع الذكر الثابتة في الكتاب والسُنة؛ فقد فضّل اللهُ تعالى الذَّاكرين له بأنْ أدخلهم في زمرة من (أعدّ لهم مغفرة وأجرا عظيما)؛ قال تعالى:(... وَٱلذَّ ا⁠كِرِینَ ٱللَّهَ كَثِیرࣰا وَٱلذَّ ⁠اكِرَاتِ أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم مَّغۡفِرَةࣰ وَأَجۡرًا عَظِیمࣰا)، وقال تعالى:( فَٱذۡكُرُونِیۤ أَذۡكُرۡكُمۡ)، وقال تعالى: (لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِی رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةࣱ لِّمَن كَانَ یَرۡجُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلۡیَوۡمَ ٱلۡـَٔاخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِیرࣰا)، وغيرها من الآيات الحاثة على الإكثار من الذكر.

ومن المعلوم أن الكثير من هذه الأذكار جاءتْ مطلقة وأخرى مقيدة بعدد أو حال معينة. وتحديد بعض الأذكار بعدد  أو تكرير ذكرٍ معينٍ مرات عديدة ليس غرضه تحقيق العدد فحسبُ وإنما تكثير التعظيم. ثم إنّ هذا التعظيم لا يتحقق إلا إذا استحضر العبدُ القلبَ والذهن وأمعن النظر فيما يقول ويفعل. ومِن هنا لما كانت الصلاة كلها ذكر -مع لزوم الاطمئنان والخشوع فيها- كانت ناهية عن الفحشاء والمنكر قال تعالى: (إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَاۤءِ وَٱلۡمُنكَرِۗ). ويقول ابن القيم في كتابه "الصلاة وأحكام تاركها": (...ثم شرع له تكرير هذه العبودية مرة بعد مرة إلى إتمام الأربع، كما شرع له تكرير الذكر مرة بعد مرة لأنه أبلغ في حصول المقصود وأدعى إلى الاستكانة والخضوع)؛ فإذا تحقق تعظيم شأن الله تعالى في قلب العبد تحققت المراقبة  في السّر والعلن قولا وعملا، بالقلب والجوارح، والتي هي مرتبة الإحسان.

والمقصود من هذه اللفتة القصيرة أنّ شيطان الإنس أو الجن مَا سُمِّيَ بـــ"الوسواس" إلا لأنه يكرّر ما يلقيه على العبد من زخارف الأقوال الفاسدة والخبيثة لتهوين شأن الله في قلب العبد وشأنِ السُنّة وشأن الدّين فتهون بذلك المعصية وتُستصغر المخالفة، بل قد بصوّرها له أحيانا - والعياذ بالله - في صورة عبادة تامة مقبولة. ومع استمرارِ الشيطان -هذا "الوسواس"- في محاولاته كسر منافذ الحماية لينقلَ العبد من حال اليقظة إلى الغفلة والغرور يستمرُّ العبدُ في تكرير الذِّكر قصد الدفع وتحصين النفس وتعظيم شأن الله تعالى؛ فيجمع بذلك بين الإكثار مِن ذِكر الله وتحقيقِ التعظيم والخضوع له سبحانه وتعالى. 

والله أعلم.

 فاللهم أعنَّا على ذِكْرِك وشُكرك وحُسن عبادتك.

تعليقات